بعد ما نشرنا في الأسبوع الماضي شهادة الأستاذ محمدٌ ولد إشدو حول " أحداث 66 " ننقل الآن للقراء الصورة الطيبة التى تولدت لدى هذا المناضل و الأديب عن الرئيس الأول لموريتانيا المختار ولد داداه، حيث يصفه بالاعتدال و الوسطية.
للتذكير، ولد إشدو كان من اشهر قادة حركة "الكادحين" اليسارية المعارضة بشدة لسياسة المختار ولد داداه في نهاية الستينات و بداية السبعينات،حيث وظف آنذاك كل ما اوتي من طاقة و موهبة خدمة للنضال.
نورد فيما يلي شهاتده التي يدلي بها اليوم حول خصمه السياسي السابق في مقطع من مقابلة صحفية أجراها معه (لحسن) معد برنامج َ"ضيف و قضية" (الحلقة 5)، قناة "الوطنية" :
لحسن: جميل.. قبل أن نتحول إلى محور منعطف تصفية الاستعمار الجديد لا بد أن أسألك عن نقطة تتعلق بالرئيس المختار ولد داداه، في تعامله مع مختلف القضايا التي مررنا بها قبل قليل؛ بما فيه أحداث الزويرات وقبلها أحداث 66 وما إلى ذلك. من خلال كلامك لاحظت أنك دائما تقول إن المختار ولد داداه استمع إلى الأطراف ووضع القرار للنقاش قبل أن يتخذ القرار.. إلى غير ذلك. نلاحظ أيضا أنه في عهد المختار ولد داداه كانت سياسة الحزب الواحد مع ذلك. هل يمكن القول إن الرجل كان ديمقراطيا رغم ترسيخ سياسة الحزب الواحد؟
ذ. إشدو: هذا سؤال جيد جدا. الرئيس المختار ولد داداه – حسب تقييمه لنفسه- كان ينسق عمل بناء الدولة خلال 20 سنة، ولا يراه عمله بمفرده وإنما يراه عملا مشتركا بينه وبين معاونيه وحكومته وبرلمانه، ومحيطه إن شئت. الرئيس المختار ولد داداه رجل وسطي. وفي النقاش الذي سبق ذكره يقول إنه إذا أراد حل معضلة أثارها أمام أحمد ولد محمد صالح (أطال الله بقاءه) ومحمد ولد الشيخ (رحمه الله) ومن خلال تناقض رأييهما يستخلص ويضيف من عنده ما ينبغي أن يفعل. ورجل الدولة الوسطي تعرف فيه وتنكر، في بعض الأحيان يؤثر في البطانة والمؤسسة، وتؤثر فيه البطانة والمؤسسة في بعض الأحيان.
في مقال لي لا أدري هل رأيته، أعيد نشره أمس بمناسبة ذكراه (رحمه الله) تحت عنوان "وداعا يا فخامة الرئيس" أشيدُ بما أنجزه وأسوق نقاشا دار يوم وفاته بيني وبين صحفي من إذاعة فرنسا الدولية. قال لي: إن أبا الأمة كان يقمعكم.. فقلت له: وهل من عيب في أن يؤدب أبو الأمة أبناءه؟! نعم، لقد قمعنا، لكنه قمع – إلى جانبنا- الاستعمار، وأمم "ميفارما" وراجع الاتفاقيات مع فرنسا، وأنشأ العملة.. وذكرت له هذه الأمور الإيجابية في حياة الرئيس المختار. لكني أقول إن ثمة أمرين أستغربهما وأعارضهما في سياسته.
لحسن: ما هما؟
ذ. إشدو: أحدهما دخول حرب الصحراء. وكان صعبا عليه أن لا يدخلها؛ خاصة أنها فرضت عليه. في آخر حديث بيني وبين أحمد ولد محمد صالح وكان وقتها وزيرا للداخلية وكنت أمثل الحركة الوطنية الديمقراطية أو حزب الكادحين، دام نقاشنا من الواحدة إلى الثالثة، وأنا أحذره من الحرب، وما زال موجودا بحمد الله (أطال الله بقاءه) عندما وقفت استعدادا للخروج وقف لتوديعي وكانت خريطة موريتانيا على الجدار، فقال لي: يا أستاذ، إذا لم تقفوا مع الوطن فسنعتبركم خونة، فقلت له: يا معالي الوزير، سنقف مع الوطن، لكن الوطن في رأينا هو ما تمثله هذه الخريطة لا ما سوى ذلك! إذا هدد محتواها فعولوا علينا وإلا فلا تعولوا علينا وأنتم المسؤولون عن ذلك. وفي نهاية النقاش ضمن لي أن لا يبدؤوا الحرب، وفعلا فالبوليزاريو هي من بدأ إطلاق النار على موريتانيا. ولقائل أن يقول كما قال معاوية في صفين؛ فحين رأى من معه من الصحابة مصرع عمار في صف علي تذكروا قول النبي صلى الله عليه وسلم: «تقتله الفئة الباغية» فقال معاوية: لقد قتله علي، لأنه أتى به إلى المعركة! هم أيضا يستطيعون القول إن موريتانيا هي البادئة لأنها دخلت التقسيم مع إسبانيا. إذن أقول إنني لا أستوعب قضية دخول موريتانيا الحرب، وأرى أنها نسفت كل ما أقامته موريتانيا.
الأمر الثاني أن كونه علم بالانقلاب قبل وقوعه ولم يعمل على إحباطه أمر لا أرى فيه السداد.
لحسن: لقد ذكر هذا في كتابه.
ذ. إشدو: نعم. وكما قلت فحادثة الزويرات كانت من مآخذنا على المختار، ونددنا بها آن ذاك ونندد بها الآن؛ فالحركة الوطنية الديمقراطية في معركة تصفية الاستعمار دخلت مع نظام المختار في صراع لا هوادة فيه، تعرضنا فيه للسجن والضرب والتعذيب؛ فقد انتزعت أظافرنا وضربت نساؤنا وأطفالنا، وتم تجويعنا وطردنا من وظائفنا.. قمع بأشكال رهيبة! فهل يا ترى علم المختار أم لم يعلم؟ المهم أنه دار في فترة حكمه. لكن المختار كان أيضا من الذين قبلوا وفرضوا الحوار الصامت الذي جرى في مهرجان الشباب في أغسطس 1974 والذي أعلن بعده مباشرة تأميم "ميفارما" وأفرج عن السجناء بعده مباشرة، وبعده مباشرة صدر العفو العام وأعيد المفصولون إلى أعمالهم، وبعده مباشرة أنجز الميثاق الوطني ضد استغلال الإنسان للإنسان. وبعده أيضا جرى قبول ضمني بأن يكون حزب الشعب كشكولا، أو حزبا لمختلف التيارات. وفي تلك الفترة كانت إفريقيا كلها تقريبا محكومة بأنظمة الحزب الواحد.
لحسن: إذن سنأتي على كل تلك المحاور – إن شاء الله- في قادم الحلقات، ونتوقف هنا لأن الوقت انتهى. ونتوقف عند هذا المنعطف الذي سنبدأ به في الحلقة القادمة؛ وهو منعطف تصفية الاستعمار الجديد، مع الحركة الوطنية، وسنتطرق أيضا إلى بقية المحاور المتعلقة بانقلاب 1978 وعلاقة الحركة به و6 إبريل، و16 مارس، وأحداث 1984.. إلى غير ذلك من المحاور التي سنتناولها - إن شاء الله- في الحلقة القادمة من برنامج "ضيف وقضية" معكم، أستاذ محمدٌ ولد إشدو نشكركم على قبول الدعوة والحضور معنا شكرا جزيلا.. والشكر أيضا موصول إلى مشاهدينا الأعزاء على حسن المتابعة والإصغاء.
تصنيف: