الحوار الوطني : ترميم الثقة بين الدولة والمجتمع

منذ وصوله إلى الحكم، اختار الرئيس غزواني أن لا يحكم بمنطق اللحظة أو الحسابات الضيقة، بل من خلال مشروع إصلاحي يستهدف إعادة ترميم الثقة بين الدولة والمجتمع، وبين مختلف مكونات الطيف السياسي والاجتماعي.

وفي هذا السياق، لا تبدو الدعوة للحوار مجرد مبادرة معزولة، بل جزءًا من رؤية متماسكة لإعادة بناء العقد الوطني، من خلال ترسيخ ثقافة الإنصات وتوسيع دائرة المشاركة في القرار.

 

الرئيس دعا للحوار من موقع القوة، لا من موقع الانكفاء. لم يكن مدفوعًا بأزمة سياسية خانقة، ولا بتهديد اجتماعي ملح، بل نابع من إيمان عميق بأن الاستقرار لا يُصان إلا بتوسيع قاعدة التفاهم، وتخفيف حدة الاستقطاب، خاصة في بلد تتعدد مكوناته وتتقاطع فيه الحساسيات التاريخية والاجتماعية.

 

الأهم أن هذا التوجه لم يكن مجرد خطاب، بل ترجم إلى ممارسات ملموسة: تهدئة في الخطاب، سعة صدر تجاه المعارضة، احترام للمساطر القانونية، وتوسيع لمجالات الحريات. وكلها مؤشرات تؤكد أن الحوار لم يكن أداة لكسب  الوقت، بل وسيلة لتغيير قواعد اللعبة السياسية نحو الأفضل.

 

فلم تأت دعوات الرئيس غزواني للحوار لإرضاء أحد، ولا لملء فراغ سياسي، ولا لتلافي أزمة أو احتقان ، ولا إثر تمهيدا لاستحقاقات سياسية بل ضمن تصور شامل لدولة مدنية عقلانية تتقدم بثبات، لا بانفعال. تعتبر الحوار ركيزة وطنية، لا مجرد عنوان موسمي في واجهة الخطاب الرسمي.

 

إن إصرار الرئيس غزواني على الحوار ليس تكتيكًا ظرفيًا،  بل خيار استراتيجي يستبطن رغبة في صناعة توافق طويل الأمد، يضمن الخروج من المأزق التقليدي للأنظمة الموريتانية  والمتمثل في تسويق الجمود على أنه  استقرار 

فمنذ توليه الحكم في 2019، أثبت الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني أنه لا يلهث وراء الشعبية السريعة، ولا يمارس السياسة من منطلقات ضيقة أو لحظية . بل جاء بمشروع متكامل عنوانه الأبرز: إعادة تأسيس العقد الاجتماعي الموريتاني على أسس من العدالة، التماسك، والحوار.

 

1. الحوار كأداة لإعادة ضبط البوصلة الوطنية

الإصرار المتكرر على الدعوة لحوارات وطنية ليس ترفًا سياسيًا، بل نابع من إدراك عميق لطبيعة الأزمة الموريتانية المزمنة: أزمة ثقة بين المكونات، وانعدام ثقافة التوافق في اللحظات الحاسمة.

الرئيس الغزواني أدرك منذ البداية أن استقرار موريتانيا لا يمكن أن يُؤمَّن بالغلبة السياسية، بل من خلال الإنصات، والاعتراف بالجميع، وإشراكهم في صياغة القرار الوطني.

 

ولذلك، فهو أول رئيس في تاريخ البلد يدعو للحوار وهو في موقع القوة، وليس تحت الضغط أو العزلة، مما يُظهر أن دعوته ليست هروبًا من الأزمات، بل توجه مبدئي واستراتيجي.

 

2. سعة صدر القيادة السياسية وإعلاء منطق الدولة

من يتابع طريقة تعاطي النظام الحالي مع المعارضة، يدرك أن الرئيس غزواني لم يرَ في معارضيه أعداءً بل شركاء في الوطن. وقد وسع صدر الدولة للجميع، وفتح أبواب القصر للحوار مع أطياف كانت في الماضي تُقصى وتُهمَّش.

 

 

3. الحوارات المتكررة جزء من مشروع إصلاحي أعمق

 

الحوارات ليست غاية في ذاتها، بل جزء من رؤية إصلاحية شاملة تستهدف تحديث الدولة، وعقلنة الحياة السياسية، وتجاوز مرحلة "الديمقراطية الشكلية" نحو ديمقراطية توافقية منتجة.

مشاريع الإصلاح الاقتصادي، وتوسيع الحريات، وإصلاح التعليم، ومكافحة التفاوت الاجتماعي، كلها تصب في نفس الاتجاه: خلق دولة مؤسسات حديثة و  تثبيت نموذج موريتانيا الجديدة المؤسس على الاعتدال، الحكمة، والشراكة .

 

4. تعزيز الشرعية السياسية للحوار نفسه :

الرئيس الغزواني يسعى إلى ترسيخ شرعية ديمقراطية قائمة على التوافق، وليس فقط على نتائج الانتخابات. الدعوة للحوار تمنحه صورة "الحاكم المنفتح" القادر على الاستماع لمختلف الطيف السياسي والاجتماعي ، ومن موقع القوة والاستقرار يمنح الرئيس غزاوني شرعية للحوار الوطني كأساس من أسس النجاعة السياسية والديمقراطية   .

 

 

5. الشراكة الوطنية كصمام أمان :

حين تدعو السلطة إلى الحوار فهي تؤسس لحاضنة وطنية لامتصاص الأزمات وتخلق فضاء تقليديا للمبادرة السياسية الواعية استراتيجيا لا لحظيا .فما عهده الموريتانيون هو الحوارات المدفوعة إما بالأزمات السياسية الخانقة أو تحضيرا لاستحقاقات صعبة .

وكلها دوافع تتعلق بمكاسب السلطة اللحظة والموسمية  ، بل حدث وأن لغمت الساحة السياسية بالأزمات عمدا كي يستباح مبرر الحوار وتجر الأطراف إلى المفوضات والتنازلات .

أما ما يميز دعوة الرئيس غزواني المستميتة للحوار ـ في ظل استقرار سياسي وأمني وبعد استحقاقات رئاسية وبرلمانية منحت النظام كل ما يحتاجه من القوة السياسية والانتخابية ـ فهو التأسيس لشراكة وطنية ضمن التقاليد السياسية للبلاد    .

لأن فقدان الثقة بين الفرقاء السياسيين و تشظي الطيف السياسي وتآكل المعارضة نتيجة الضغط والتهميش وتآكل الخطاب السياسي الوطني الجامع  كلها نتائج مؤكدة لأزمة الثقة المتراكمة بين الدولة والمجتمع وبين السلطة والمعارضة وبين الفاعلين السياسيين أنفسهم وبالتالي نجحت ظروف كتلك في خنق كل الإصلاحات التنموية على مدى عقود من عمر دولتنا الفتي  .

 

محمد افو

تصنيف: 

دخول المستخدم