إن الكلام عن الشيخ زايد بن سلطان رحمه الله هو الحديث عن دولة الإمارات العربية في نموذجية الاتحاد المتماسك والنهضة الحضارية المتوازنة الفريدة. وإذا ما كان معروفا عن الرجل التواضع الكبير وصفاء الروح والفروسية بأحسن تجلياتها وإباء وسمو النفس والسخاء الذي لا يتوقف العطاء فيه عند حد، والتفاني في حب الخير وإسداء المعروف للضعفاء والمحرومين، فقد كان أيضا رجلا صارما وقائدا فذا، واضح الرؤى مضاء تجلياتها، قليل الكلام غزير مضامينه، عميق دلالاته، نافذ البصيرة رفيع الفعل في نبل المقاصد، سريع تجسيد مراميه على أرض الواقع، قوي الإيمان بأمتيه العربية والإسلامية، شديد التعلق بالأهداف الإنسانية الكبرى لا يميز في السعي إليها بين أجناس البشر.
ولقد أدرك الشيخ زايد منذ اللحظات الأولى لإعلان الاتحاد أن العلم والعمل هما الطريق نحو رفعة الأمة وتقدمها وبناء الإنسان فجعل التعليم على رأس أولويات تأسيس الدولة الحضارية القائمة على العلم والمعرفة وذلك إيمانا منه بأن الشباب هم ثروة الأمم الحقيقية. وعلى هذا الاستنتاج وإتباعا بالفعل لقولته الشهيرة "آمن أن الاستثمار في الإنسان أساس تقدم الشعوب ومفتاح نهضتها"، سارع زايد إلى إصدار الأوامر السامية ببناء المدارس ومراكز التعليم في مختلف مناطق الدولة، وغرس في الأجيال الجديدة حب العلم والمعرفة. وسرعان ما شهدت الدولة توسعاً في أعداد الجامعات وأنواعها داخل. وبالطبع فإنه لم يقتصر التحاق الطلبة المواطنين بالتعليم العالي على داخل الدولة، بل أتيحت لهم الفرص كاملة ليلتحقوا بالتعليم الذي يرغبون فيه خارج في جامعات العالم الأشهر والأجود تعليما.
وتعود بداية العلاقات الثنائية بين موريتانيا ودولة الإمارات العربية المتحدة إلى مستهل السبعينات من القرن الماضي. ففي 07/08/1973 استقبل المغفور له بإذن الله تعالى الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان المرحوم حمدي ولد مكناس وزير خارجية موريتانيا حينها.
حصل بعد ذلك تبادل للزيارات بين الرئيسين السابقين المرحوم المختار ولد داداه رئيس الجمهورية الإسلامية الموريتانية الذي قام بزيارة رسمية للدولة في 28/04/1974، رد عليها المغفور له صاحب السمو الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان بزيارة رسمية وتاريخية لموريتانيا بدأها يوم 13/08/1974، واستغرقت ثلاثة أيام. ولقد كان لهاتين الزيارتين أثرهما البالغ في رسم أسس التعاون والتواصل بين البلدين على مختلف الأصعدة.
أحب الشيخ زايد رحمه الله الشعب الموريتاني الذي كان يومها متشبثا بتقاليده العربية العريقة في صرامة البداوة والتي رأى فيها آنذاك سببا للاهتمام به ومساعدته على تخطي محنة جفاف استثنائي تواصل عقودا أربعة وقحطا مزمنا ألم بكل شبه منطقة دول الساحل وحربا ضروسا كادت أن تودي بالبلد. ولما لم تفته بنباهته الفذة عراقة هذا الشعب فقد جعل دولة الإمارات التي جمع شملها وأطلق نهضتها، تعترف لموريتانيا:
بعلو كعب علمائنا في الفتوى فنصبتهم قضاة،
ونبوغهم في الفقه والعلوم الشرعية، فاتخذتهم أئمة ومفتين،
ووثقت بأمانة شبابها فأكتتبهم في سلك الشرطة عندها،
وقدرت مواهب شعرائها وعمق شاعريتهم فتوجتهم أمراء على منصة الشعر العربي في محافلها وفي رحاب شاطئ الراحة.
وأما الذي قدمت دولة الإمارات العربية المتحدة لموريتانيا في سنة 1979 فكان أول قرض سخي معتبر واستثنائي بمبلغ أربعين مليون درهم إماراتي لتمويل جزء هام من طريق "الأمل" الحيوي الرابط بين كيفة والنعمة في شرقي البلاد.
وفي مجال الزراعة حصلت في عام 1980 على قرض من صندوق "أبوظبي" للتنمية بمبلغ أربعة وعشرين مليون درهم إماراتي لتمويل مشروعات استصلاحات زراعية وبناء سدود. وفي نفس التاريخ وضمن برنامج استثمار نهر السنغال قدمت حكومة أبوظبي قرضا" للحكومة الموريتانية بمبلغ 43 مليون درهم إماراتي.
وأما في مجال المعادن فقدمت دولة الإمارات العربية المتحدة سنة 1979م قرضا لموريتانيا بمبلغ 80 مليون درهم لتمويل مشروع لمناجم الحديد شمال البلاد، وكانت قدمت قبل ذلك سنة 1974م قرضا لتمويل استخراج مادة الصلب بلغ 16 مليون درهم.
وبحق يعتبر "مستشفى الشيخ زايد" الذي بني على نفقة المغفور له صاحب السمو الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان طيب الله ثراه، بكلفة بلغت 10 ملايين دولار، أحد أهم المعالم البارزة في مسيرة التعاون القائم بين البلدين، ولم تأل دولة الإمارات العربية المتحدة ممثلة في سفارتها بنواكشوط، جهدا" في تطوير هذا المستشفى منذ إنشائه، من خلال تزويده بالمعدات وتقديم المساعدات الإنسانية لنزلائه.
وضمن التعاون الثنائي المتميز وتحديدا في مجال الطاقة المتجددة تقدمت دولة الإمارات بدراسة إمكانية تطوير مشروع لإنتاج الكهرباء في موريتانيا بالاعتماد على الطاقة المتجددة بالرياح والطاقة الشمسية.
وفي هذا السياق استقبل فخافة الرئيس محمد ولد عبد العزيز سعادة سفير دولة الإمارات في نواكشوط برفقه وفد من شركة "مصدر" الإماراتية ، حيث أعربوا عن سعادتهم بتقديم مشروع لإنتاج الكهرباء بالطاقة المتجددة، كهدية من سمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان للشعب الموريتاني.
وفي مجال حقوق الإنسان قامت دولة الإمارات بدفع تعويضات لكافة الأطفال الموريتانيين الذين شاركوا سابقاً في سباقات الهجن داخل الإمارات.
وقد بلغ عدد الأطفال الموريتانيين المستفيدين من التعويضات 469 طفل، تم تعويضهم بمبلغ ناهز 1,5 مليون دولار، كما انجزت العديد من المشاريع لصالحهم بقيمة 2 مليون دولار في العديد من المدن والبلدات الموريتانية من بينها نواكشوط والنعمة وبوتلميت وقد لامست هذه المشاريع مختلف نواحي الحياة من تعليم وصحة ومياه وطفولة.
ولم يكن النشاط الخيري أقل حظا في الاهتمام الإماراتي الذي ما فتئت كل من هيئة الهلال الأحمر الإماراتي ومؤسسة خليفة بن زايد آل نهيان للأعمال الإنسانية ومؤسسة زايد بن سلطان آل نهيان للأعمال الخيرية والإنسانية، ومجمل هيئات الأعمال الخيرية لدولة الإمارات العربية المتحدة، تقوم بنشاط إنساني وخيري معتبر ومقدر في موريتانيا.
ولقد شمل ذلك النشاط مجالات مكافحة الفقر وإغاثة المتضررين وإيواء وكفالة الأيتام، وحفر الآبار وبناء السدود والمساجد ومساعدة طلاب العلم، هذا بالإضافة إلى بعض المبادرات الفردية والخاصة التي يقوم بها بعض المحسنين من مواطني دولة الإمارات العربية المتحدة لمد يد عون للمحتاجين من إخوانهم الموريتانيين.
وفي دولة الإمارات توجد جالية موريتانية معتبرة، وحسب إحصائيات سنة 2007 فإن عدد المقيمين الموريتانيين في الدولة يقارب 4327 شخص. وتصل العائدات السنوية للجالية الموريتانية، حسب مصادر رسمية، إلى ما يقارب 25 مليون دولار أمريكي.
إنه مد فياض من التعاون المجرد من الذكر والمن والأذى أطلقه المرحوم الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان ليطوق الأعناق ويستوجب الذكر كلما حلت ذكرى وفاته، وللدعاء له رجل خير بالرحمة والمغفرة. وهو ذاته السياق الذي تنزلت ضمنه الندوة الإعلامية التي نظمها المركز العربي الافريقي للإعلام و التنمية ليلة الجمعة 24 يونيو بنواكشوط حضرها سفراء و أكاديميون وشخصيات عملت واستقرت سنين طويلة في ربوع دولة الإمارات، قدموا خلالها شهادات حية عن المغفور له الشيخ زايد بن سلطان وتجربة الإمارات في الوحدة والبناء والتطور و الاستقرار.
الولي ولد سيدي هيبه
تصنيف: