ذ. إشدو : كانت الشرطة تعمر المساجد والعلماء والأئمة والدعاة يملؤون السجون!

لحسن: أطيح بالرئيس معاوية في الثالث من أغسطس 2005 من قبل ما عرف بالمجلس العسكري وبدأت المرحلة الانتقالية برئاسة الرئيس الأسبق اعلي ولد محمد فال الذي يقال إن التحرك للإطاحة بالرئيس معاوية لم يكن من طرفه بقدر ما كان الدور الأبرز في ذلك للرئيس الحالي محمد ولد عبد العزيز، غير أنه لم يظهر في الصورة آن ذاك. ما رأيكم في ذلك؟

ذ. إشدو: من نظر إلى طبيعة انقلاب 3 أغسطس 2005 ربما يتفق مع ما قلته أنا نفسي من أنه يمثل انكسار أضعف حلقات النظام الاستعماري الأمريكي الصهيوني في العالم العربي.

كانت موريتانيا أضعف الحلقات فوقعت هَبَّة شعبية موريتانية عسكرية ومدنية وشارك فيها الكثير من الناس.

كان لي قبيل الانقلاب مقيل بمگطع لحجار لحضور محاكمة فسألني جمع من المسنين عن جديد العاصمة فقلت لهم إن فيها ظاهرة غريبة لم أرها في بلادنا من قبل ولا أراها ستستمر: الشرطة تعمر المساجد والعلماء والأئمة والدعاة يملؤون السجون!

إنها هَبَّةٌ واسعة شملت العلماء والأئمة والمثقفين والمحامين والجماهير الشعبية بشكل عام، وشملت التيارات السياسية. وحُلت الأحزاب المعارضة كاتحاد القوى الديمقراطية والعمل من أجل التغيير.. وحظرت الصحف، وأضيفت إلى الدستور مادة دخيلة (104) وكان بإمكان وزارة الداخلية مصادرة أية صحيفة أو إغلاقها بجرة قلم استنادا إلى المادة 11. الوحدة الوطنية بقيت كأن لم تكن، ولم يعد للجيش كيان أو وجود، وصار منقسما.. إلخ.

فرسان التغيير قالوا لنا أثناء محاكمتهم: بقي زملاؤنا في الجيش ولن يقبلوا استمرار هذا الحال. وهناك تجمعان – على الأقل- يتسابقان لقلب النظام.

إذن كسرت أضعف الحلقات، لكن بفضل الله كان هناك ضباط ناضجون لهم ثقل في الجيش، ولديهم رؤية لموريتانيا، وتلقى الشعب الإشارات التي أصدروها.

 

حوار مع يوم الانقلاب

لا أدري هل سبق لك الاطلاع على مقال كتبته بعد الانقلاب مباشرة (يفتح كتابا):

"أنت عيدي إن كان هذا... وإلاّ...

رسالة مفتوحة إلى فجر يوم أغر!

سلام عليك يا أجمل صباح باكر عيوننا البائسة، بعد عقود عشش فيها الذل والهوان والإحباط في نفوسنا، ونخر قلوبنا وعقولنا سوس البغي والفساد والجهل والفقر والمرض.

جئت متأخرا جدا.. ولكنك أتيت!

عشرون سنة ضاعت من عمرنا هلك فيها الحرث والنسل!

ليتك كنت أتيت قبل انهيار الدولة، وخراب الاقتصاد والتعليم والصحة، وفساد القضاء والإدارة والمجتمع!

قيل في حياة عرب العولمة:..وحده الموت يصنع التاريخ ويحدث "التغيير"... ويخلق "التناوب".. وفي غيابه يغيب الأمل! وهاهو - بحضوره في غياب فهد- يحمل أملين:  تتويج عبد الله ملكا في السعودية..  فلعل وعسى! ورحيلالرئيس معاوية دون إراقة دم، عن شعب جثم عاتيا على صدره واحدا وعشرين عاما!

جئت متأخرا جدا.. ولكن كيف أتيت؟

ـ "انقلاب عسكري" و"مجلس عسكري"؟

ما أبغضها كلمات عند الله، وأبعدها عن "الديمقراطية" و"الشرعية الدستورية" التي يتباكون عليها اليوم..  كأننا نعيش في كوكب آخر! وكأن الموريتانيين عرفوا في حياتهم الدنيا طعم ثمرة لم تجد بذرتها طريقها قط إلى تربتهم الطيبة المعطاء! من لم يصْلَ جحيم الهوان الذي هبطنا إلى دركه الأسفل، ليس له الحق في الكلام.

فجر الثالث من أغسطس الوضاء.."

إلى أن أقول إن التاريخ علمنا أن الانقلابات أنواع. منها التقدمي كانقلاب عبد الناصروسوارالذهب،وكيتانو في البرتغال.. ومنها الرجعي كانقلاب العاشر من يوليو وأسوق أمثلة.

ثم أقول:

ولكن هل من العدل أو العقل أن لا نبالي بمقدمك الميمون؟ أو أن نعرض عنك بردا وسلاما عصف بالطاغوت، وشرع بابا - أوصِدَ عقودا- عجزت كل القوى والوسائل والأساليب السلمية وغير السلمية عن فتحه.

 

التغيير المنشود

لحسن: جميل.. كان هذا مقالا واضحا كتبتموه عن انقلاب الثالث من أغسطس 2005 الذي قام به المجلس العسكري للعدالة والديمقراطية. لكنكم عدتم فقلتم إن المجلس العسكري لم يتقدم نحو الهدف المنشود، وإنه شكل حكومته في الغالب من الحزب الجمهوري الذي ترونه أصل خراب البلاد، وإن السجن بقي غاصا بالأئمة والدعاة والشباب.. كيف توفقون بين هذا وذاك؟

ذ. إشدو: كما قلت لك فالانقلاب مثل في رأيي كسر أضعف حلقات النظام الاستعماري الأمريكي الصهيوني الرجعي، ونهاية التيه والانقلاب الدائم على الشعب، ونهاية الحكم بالجيش، وبداية امتلاك المؤسسة العسكرية لعنان أمرها والعمل على إعادة تأسيس موريتانيا. هذا رأيي في انقلاب الثالث من أغسطس.

وقد تساءلت هل هو انقلاب ثوري يجعل عالي الوضع سافله وينجز ما تقر به أعين قوى التغيير والطبقات الثورية، أم هو انقلاب قامت به قوى وسطية أنجزت البعض وبقي عليها البعض؟

وقد تناولت هذا في مقال كتبته عن طبيعة انقلاب الثالث من أغسطس وأوردت فيه أنه إذا كان علي ماهر قال إثر انقلاب 23 يوليو في مصر إنه ليست هناك ثورة فإننا نحن إذن لم نقترب من الثورة! وقلت فعلا – وبينت ذلك- إن الحكومة شكلت أساسا من قادة الحزب الجمهوري وإن الانقلاب وسطي. وليس هذا فقط؛ بل كتبت مقالا بعنوان "لماذا يفشل الموريتانيون حيث نجح الآخرون؟" تحدثت فيه عن مالي التي كانت قد شهدت فترة انتقالية حققت فيها مرادها، وقلت إن الثالث من أغسطس لن يحقق المراد منه. وفعلا لم يحقق الثالث من أغسطس المراد منه! بل رأينا في الانتخابات كيف نهضت القوى التي أطيح برأسها وترك باقي جسدها سليما فتغلبت بتوظيف المال الحرام فانتزعت أغلبية البرلمان. ولم يف الجيش بالوعود التي قدمها بالتزام الحياد، وإنما خضع لضغط قوى الفساد وما لديها من مال حرام، فكان صراع بين الضباط وزورت إرادة الشعب الموريتاني في الانتخابات وجيء برئيس من خارج القوى السياسية، ومن هنا سهل التحكم به لأنه مستقدم دون أن يكون له من قبلُ حزب ولا قوة ولا مال؛ بل تم توفير الجميع له.

هكذا أقصوا أحمد ولد داداه الذي كان بإمكانه إحداث تغيير إيجابي، ولذا كانوا يخافونه، واستقطبوا جزءا من قوى التغيير تمثل في الرئيس مسعود وجماعته في التحالف إلى جانب الرئيس الجديد. ولو صوتوا للرئيس أحمد ولد داداه لما كنا قد وقعنا فيما وقعنا فيه!

كان هذا بالفعل خطأ من طرف قيادة 3 أغسطس. ومرت السنة الأولى بسلام، لكن ماذا جرى في السنة الثانية؟ استحوذت القوى التي تحدثنا عنها على الرئيس واستحوذت عليه كما سبق أن فعلت بالرئيس معاوية بعد 12/12.

ما هو الفرق بين الوضعيتين؟ الفرق أن قادة 3 أغسطس لم يتولوا المناصب وإنما بقوا في الجيش على علاته وضعفه؛ خلافا لقادة 6 إبريل، وخلافا لخطأ المرحوم جدو ولد السالك الذي سبق ذكره، وخلافا للأخطاء التي وقع فيها الرئيس معاوية.

وحين جاءت الحكومة الثانية للرئيس سيدي ولد الشيخ عبد الله لم تكن تحوي في الغالب سوى الذين كانوا حول معاوية في الحزب الجمهوري فعدنا إلى نفس المربع! 

 

تصنيف: 

دخول المستخدم