ذ.إشدو : "جعلنا النظام أمام خيارين: إما أن يحكم بالإعدام ويعدم، فينتهي. وإما أن لا يحكم بالإعدام ولا يعدم، فينتهي"

لحسن: يقال إنكم في ختام إحدى مرافعاتكم أمام المحكمة دفاعا عن فرسان التغيير وجهتم الخطاب إلى القاضي فقلتم له: نحن اليوم نريد إطلاق سراح الديمقراطية، فرد عليكم: ألا بعدا لها ولمن جاء بها. ما حقيقة ذلك؟ وهل تقصدون بالديمقراطية فرسان التغيير؟

ذ. إشدو: هذا صحيح. بل قلنا ما هو أكثر! لقد ذهبت إلى أبعد من ذلك، فقلت إن ما قاموا به ليس شرعيا لمخالفته القانون، ولكنه مشروع لأنهم حاولوا فك أسر البلد الذي يكاد أن يتلاشى.

لحسن: مع أنك لم تكن تشجع فكرة الانقلاب.

ذ. إشدو: أبدا.. لا أشجع فكرة الانقلابات إطلاقا. لكن التاريخ يعلمنا أن الانقلابات أنواع؛ فمنها ما هو رجعي، ومنها ما هو تقدمي. وربما نصل إلى ذلك في الحديث عن انقلاب الثالث من أغسطس 2005.

لحسن: إذن ترى أن انقلاب فرسان التغيير كان رجعيا، وأنهم لم يكونوا حملة مشروع دولة ولا مشروع مجتمع؟

ذ. إشدو: لم أقل إنه انقلاب رجعي! قلت إنه مخالف للقانون. وورد هذا في مرافعتي ونقلته إذاعة فرنسا. اعتبرت ما قاموا به مخالفا للقانون وغير شرعي، لكنه مشروع! بمعنى أن ممارسات النظام الجارية تسوغه وتسوغ ما هو أكثر منه. إلا أني كتبت فيما بعد أن من فضل الله على موريتانيا عدم نجاح هذا الانقلاب. وقد دافعت باستماتة عن فرسان التغيير، وعند ما صدرت الأحكام خالية من إعدام كنت أنا والأستاذ إبراهيم ولد أبتي وبعض زملائنا نقفز إلى السقف فرحا، لأننا جعلنا النظام أمام خيارين: إما أن يحكم بالإعدام ويعدم فينتهي. وإما أن لا يحكم بالإعدام ولا يعدم فينتهي. هذه هي الوضعية الصعبة التي جعلْنا فيها النظام.

لحسن: كشفت لنا في الحلقات السابقة أن وراء كل انقلاب جهة خفية كثيرا ما كانت أجنبية. ما الذي دعاك للقول إن القذافي كان وراء محاولة فرسان التغيير الانقلابية؟

ذ. إشدو: هذا معروف.

لحسن: ألم تكن محاولة عفوية؟

ذ. إشدو: لا، هناك إرادة مشكورة من مجموعة من الشباب الوطنيين يرون وطنهم ينهار، لكن هناك انتماء قوميا وانتماء إسلاميا، وهناك علاقات مع ليبيا وعلاقات مع بوركينا فاسو، فقد كانت الدولتان تدعمانهم.

لحسن: ألم يكن لديهم مشروع واضح المعالم؟

ذ. إشدو: ما كان لديهم ضئيل، وكانوا يمثلون أقلية في الجيش، ولم يكن تماسكهم فيما بينهم بالقدر المناسب.

أنا مع تثميني لما قاموا به؛ والذي كان بمثابة ما قامت به جماعة 16 مارس  حين أطاحت بهيبة نظام الرئيس هيداله وبوليزاريو، وإنهم هددوا عرش السلطة فلم يستقم بعدهم.. ورغم تقديري لذلك ولوطنيتهم هم أنفسهم، قلت إن من نعم الله علينا عدم نجاح محاولتهم، فلا أدري أي مجهول كانت موريتانيا ستتجه إليه لو نجحت، نظرا لقلة التجربة وقلة العدد وحداثة السن والكثير من العوامل. هذا ما قلته.

صناعة الإرهاب واستشراء الفساد

لحسن: جميل.. أريد هنا أن أسأل عن تعامل نظام الرئيس الأسبق معاوية ولد الطايع مع مصطلح الإرهاب الذي ظهر في عهده. هل تعتقد أن موريتانيا حين ذاك كانت فعلا ضحية للإرهاب، وأن الرئيس صدق في قوله إن الإرهاب يستهدف موريتانيا، أم أنها مسألة مفتعلة للحصول على دعم خارجي؟

ذ. إشدو: كتبت في تلك الفترة أن الإرهاب يبدو مفتعلا؛ فلم يكن ساعد الإرهاب قد اشتد على مستوى العالم، وعلى الأقل موريتانيا لم تكن مستهدفة به؛ بل كان ورقة لاستعطاف الغرب وكسب تأييده.

لحسن: كيف تقيمون تسيير نظام الرئيس معاوية لموارد الدولة المالية، وأنتم ذكرتم في أحد مقالاتكم أن مؤسسات عمومية بيعت لمن سميتموهم حواريي النظام؟

ذ. إشدو: من صفات هذا النظام استشراء الفساد وانتشاره في عهده؛ وهذا معروف. وقد ذكرته في بداية مقال "يعم الفساد جميع البلاد" ولست وحدي فالموريتانيون جميعا يقولون ذلك. فقد فسدت القيم وساد الفساد على كل الأصعدة.

لقيت يوما أحدهم وهو ينشد:

يموريتان اعليك نو   +++  سو امْرَگّب واعليك جو

سو امظبب واعليك بو +++ سو امكَلَّب متگانِي

والِّ منِّك ما عاد سو +++  غاير من ذاك الثاني!

لحسن: بعض المراقبين للشأن السياسي رأوا في وقفة الرئيس معاوية وحركاته أثناء إطلالة من أطار بعد المحاولة الانقلابية عليه من قبل فرسان التغيير وخطاب ألقاه هناك ما حملهم على اعتقاد أنه يعاني مرضا نفسيا. هل هذا صحيح؟في تلك الفترة ساد الإثراء السريع والتحايل ونهب الأموال العمومية والتمدح به والتبجح بأن فلانا استفاد من موقعه وأن فلانة أنقذت أهلها من الفقر دون أن تكون لها تجارة ولا ركن تأوي إليه.. كل هذا وقع ابتداء من فترة الديمقراطية (1992) تقريبا إلى ما بعد ذلك، واشتد ساعد الفساد والمحسوبية؛ خاصة منذ وفاة السيدة الأولى سعدية رحمها الله.

ذ. إشدو: لا أدري. سمعت هذا عنه في زيارته للزويرات. لكن الرئيس معاوية رجل متزن ومستنير، وكما قلت لك فقد جاء ممتلئا بالإرادة الطيبة - وهكذا كل من وصل إلى السلطة في موريتانيا- لكن المشكلة ومكمن الداء في فساد البطانة التي تتسلط على القائد السياسي – ما لم يحذر منها- فتوجهه حيث تشاء.

أما هو فكان عند ما جاء إلى السلطة منقذا ومحررا، وهو شخص متعلم ومستنير، لكن فساد البطانة والأسرة هو المشكلة والطامة الكبرى.

تصنيف: 

دخول المستخدم