ذ. إشدو : من فضل الله على موريتانيا عدم نجاح انقلاب فرسان التغيير

"ودارت الأيام فاختلفت أنا والتيار الإسلامي في عهد الرئيس محمد ولد عبد العزيز كما اختلفت مع المعارضة حول تقييم الوضع وطبيعة النظام ومهمات المرحلة، فكان أول من شن علي الحرب ومنعني من حقي في التعبير عن رأيي ومن ممارسة الدفاع هم صحافة هذا التيار ورموزه للأسف"

مع التيار الإسلامي

قلت إن فترة من عهد الرئيس معاوية اتسمت بالمحاكمات وحل الأحزاب وإغلاق الصحف.. وبعدها جاء انقلاب فرسان التغيير. وهنا أحب أن أتحدث قليلا عن ليلة الانقلاب؛ فقد كان قادة التيار الإسلامي من أئمة وعلماء ودعاة محتجزين في سجن بيله سيئ الصيت، وكان من المقرر أن يمثلوا صبيحة الأحد 08 يونيو 2003 أمام قاضي التحقيق، وكنت والأستاذ إبراهيم ولد أبتي في زيارة لهم بسجن بيله للتنسيق معهم قبل المثول المذكور، ولما انتهى حديثنا مع الغروب قال لنا الشيخ الددو حفظه الله:" أيها الأستاذان إننا نشكركما على الجهد الذي تقومان به اتجاهنا".

 فأجبته أنا: " يا شيخ لا شكر على واجب، فهذا الموقف يمليه علينا دفاعنا عن حقوق الإنسان ودفاعنا عن المظلومين. ولا نطلب منكم مقابله إلا ما سبق أن طلبناه من الرئيس أحمد ولد داداه والوزير محمذن ولد باباه؛ وهو مطلب يتلخص في الحرص على تطبيق واحترام الديمقراطية وحرية التعبير وحرية الدفاع إذا قدر لهما الوصول إلى السلطة. فإذا وصلتم أنتم أيضا إلى السلطة فنطلب منكم تطبيق الديمقراطية واحترام القوانين والحريات".

لحسن: هل هم أيضا كانوا يسعون إلى السلطة؟

ذ. إشدو: كل قوة سياسية تسعى إلى السلطة. ثم إن هؤلاء تيار سياسي.

ثم أردف الأستاذ إبراهيم ولد أبتي: "يا شيخ نحن ندافع عن جميع المعتقلين والمظلومين والمتهمين دون استثناء، وعند ما يعتقل الرئيس معاوية غدا فسندافع عنه".

وسبحان الله العظيم.. جرى هذا الحديث وذهبنا من عندهم وقت صلاة المغرب، وبينما أنا أراجع تصريحاتهم المسهبة أمام الشرطة حوالي الثانية ليلا بدأ القصف.

ودارت الأيام فاختلفت أنا والتيار الإسلامي في عهد الرئيس محمد ولد عبد العزيز كما اختلفت مع المعارضة حول تقييم الوضع وطبيعة النظام ومهمات المرحلة، فكان أول من شن علي الحرب ومنعني من حقي في التعبير عن رأيي ومن ممارسة الدفاع هم صحافة هذا التيار ورموزه للأسف! أقول هذا للتاريخ.

انقلاب 2003

لحسن: بخصوص محاولة الانقلاب على الرئيس معاوية فقد أريق الكثير من الدم حينها للأسف، ثم فشلت المحاولة وعاد الرئيس ليطل من خلال شاشة التلفزة الرسمية في خطاب موجه للشعب الموريتاني، خطاب "دبابة دبابة" كما أتذكر، وقال إن السيطرة تمت وتم احتواء الموقف، وإن الأمن مستتب. بعد ذلك تمت مطاردة الضالعين في تلك المحاولة الانقلابية قبل أن يزج بهم في السجون.

أنتم كنتم من فريق الدفاع عن قادة فرسان التغيير.. كيف ذلك؟

ذ. إشدو: كان الانقلاب مؤلما. لا بالنظر إلى الضحايا فقط؛ وإنما أيضا بسبب ما حدث من الخوف والرعب، والأفواج التي خرجت من مختلف أحياء انواكشوط لا تلوي على شيء! فقد كان ذلك اليومان شديدين، ولا يمكنني تناول كل ذلك، لكن من عاد إلى كتبي "حتى لا نركع مرة أخرى" أو "أزمة الحكم في موريتانيا" أو "إلى أحرار موريتانيا" أو إلى الموقع "إشدو.نت" فسيجد تفاصيل كل ذلك.

المهم أنه في اليوم الثامن وقع ما وقع، وفي اليوم التاسع انتهت الأمور تقريبا، وفي عصر اليوم نفسه ظهر الرئيس كما قلت وألقى الخطاب المذكور وبدأت مطاردة الانقلابيين فمنهم من اعتقل ومنهم من نجا. غير أنهم أعادوا الكرة في السنة الموالية في محاولة جديدة فاعتقل قادتهم الذين كانوا قد لجؤوا إلى بوركينا فاسو، وأعتقد أن ليبيا القذافي كانت لها يد طويلة في هذا المجال.

لحسن: من كان العقل المدبر لمحاولة الإطاحة بالرئيس معاوية ولد الطايع حسب وجهة نظرك؟

ذ. إشدو: كان القادة ثلاثة إلى أربعة، أحدهم الرائد صالح ولد حننه وأعتقد أنه كان سياسيهم، ومنهم النقيب عبد الرحمن ولد ميني، وهو ضابط شجاع في التنفيذ وفي المحاكمات، ومنهم محمد ولد شيخنا ولم أتعرف عليه كثيرا لأنه لم يعتقل في العودة، وكان هناك ضابط آخر شجاع هو محمد الأمين ولد الواعر، فقد اعتقل قبيل المحاكمة واتصل بي (وكنت في دفاعه) وحملني السلام إلى الرائد صالح ولد حننه وعبد الرحمن ولد ميني وطلب مني إبلاغهما أن من الضروري وجود أب لهذا العمل الذي قاموا به، فإن شاءا أبوته فذك وإلا فإنه سيتبناه ويدافع عنه. وكان هذا موقفا شجاعا وشريفا آن ذاك.

لحسن: وخلال احتكاككم بموكليكم آن ذاك هل لاحظتم أنهم كانوا مؤمنين بما قاموا به ومصرين على نفس الموقف متحدين فيه؟

ذ. إشدو: سأجيبك بثلاث جمل: الأولى أنهم كانوا مجموعة من الشباب الشجعان، قالوا لنا: "لم نكن نتصور وجود محامين أمثالكم في موريتانيا يدافعون باستماتة عن المتهمين". فأجبناهم: "ونحن أيضا لم نكن نتصور وجود أمثالكم في موريتانيا يحاولون انتشالها من هذا الحضيض الذي وولد هيدالة وصلت إليه".

الحرب خدعة

الأمر الثاني هو أن الدولة في محاكمتهم حاولت أن تجر ذيلهم على الزعماء السياسيين كالرؤساء أحمد ولد داداه ومحمد خونا ولد هيداله والشيخ ولد حرمه؛ فقد اعتقلوا ووجهت التهمة إليهم على أساس أن أحد قادة فرسان التغيير صرح أنهم أعانوهم أو أمدوهم بالمال، ووقعت في ذلك حادثة غريبة لا بد من المرور عليها؛ فقد جرى التحقيق بشكل استعجالي جدا ومخالف للقانون إلى حد كبير، وجرت محاولة استدراج بعض قادة فرسان التغيير شارك فيها بعض عناصر الدفاع، وأثناء التحقيق سأله قاضي التحقيق: "ألست قد ذكرت أن أحمد ولد داداه (وأظنه ذكر ولد حرمه) أمدوكم بالمال؟ قال: "بلى، قلت ذلك". وحدد المبالغ بالدولار. وقبل تدوين إجابته افتعل الأستاذ يربه ولد أحمد صالح مشاجرة حادة مع قاضي التحقيق ومع محام آخر كان يدافع عن فرسان التغيير لكنه قريب من النظام، وهو من نظم عملية الاستدراج بمساعدة محام قريب للمتهم. خلال المشاجرة أخذت أنا محضر التحقيق فكتبت في جذر الصفحة التي كانت قد امتلأت "كانت آخر كلمة من هذه الصفحة هي كذا". (أعني كلمة أخرى غير ما ذكر) ووقّعت.

أدت المشاجرة إلى توقف التحقيق وخروجنا، ولما خرجنا واجهت المتهم بصراحة قائلا: "إما أن تسبح وإما أن تغرق! هؤلاء يعدونك ويمنونك ومايعدونك إلا غرورا. إنهم يريدون توريطك والقضاء على مستقبلك السياسي والقضاء معك على قادة المعارضة الذين هم أمَلُك في الخروج من هذه الوضعية التي أنت فيها. أنت تعلم أن هذا التصريح غيرصحيح فتدارك نفسك وارجع عنه، وإلا فستهلك".

لحسن: هل يمكن أن تسموه؟

ذ. إشدو: لا، لا، لا..

شاء الله أن اقتنع الرجل بكلامي، وبعد إنهاء الحادث المفتعل مع قاضي التحقيق عدنا إلى التحقيق وكان القاضي يرى أنه حصل على تصريح مهم هو غاية المحكمة يومئذ، فقال للمتهم: "قلت لي إن أحمد ولد داداه ومحمد خونه ولد هيداله أمداكم بالمال، فحدثني عن الوسطاء في ذلك وكميات المال. فرد عليه المتهم قائلا:" لا.. لم أقل شيئا من هذا القبيل". صاح القاضي وهو واثق من نفسه: "لقد قلته وها هو مكتوب!". وأصر المتهم على الإنكار وتلقف القاضي المحضر قائلا: "قلته وتم تدوينه في المحضر"، فقلت أنا: "هذا غير موجود في المحضر!". واختطف الورقة من يد الكاتب فإذا بها خالية من تصريح المتهم وفي نهايتها بخطي وتوقيعي "وكانت آخر كلمة من هذه الصفحة هي كذا".

 فكانت ضجة كبرى واستدعى رئيس المحكمة بعضنا فقال: "ما الذي صنعتم؟ أفسدتم كل ما عمله قاضي التحقيق!". فقلنا له: "نحن لم نفعل أي شيء". فقال – وكان ذكيا وعارفا: "أنتم في غاية الخطورة. لقد أفسدتم علينا كل شيء".

إذن لقد أنقذناهم في محاكمة دامت 75 يوما وليلة في ثكنة عسكرية، وأنقذنا قادة المعارضة.

الأمر الثالث – وهذه قناعتي وسبق أن كتبتها- أن من فضل الله على موريتانيا عدم نجاح ذلك الانقلاب! فلو نجح لكان بداية حرب أهلية واضطرابات لا نهاية لها بين مجموعة من الشباب ليس لديها أي مشروع، وإنما يدفعها الحماس، وإذا كان ثمة تأثير عليها فربما كان تأثير القذافي أو الإخوان المسلمين في بعضهم.

 

تصنيف: 

دخول المستخدم