لحسن: هل كتب لكم في تلك الفترة أي لقاء مع الرئيس السابق محمد خونا ولد هيداله؟
ذ. إشدو: لا، أبدا، فلم نلتق إلا بعد ذلك حين تعهدت بالدفاع عنه.
كان بعض الجماعة من معارفي كسيد أحمد ولد ابنيجاره أطال الله بقاءه. والبعض من أصدقائي كجدو رحمه الله، ومحمد يحظيه ولد ابريد الليل أطال الله بقاءه، وفي اليوم الثاني اجتمعت مع الأخ سيد أحمد ولد ابنيجاره (وقد كتبت عن ذلك اللقاء) وعرض علي التعاون معه ضمن أمور أخرى، وزاره صديقي يحي ولد عمر رحمه الله، وكانا صديقين حميمين، فقال له: أرأيت – يا يحي- أنا قمنا بالثورة، وأن الجيش قام بانقلاب ناجح! وكان يحي صريحا، فقال له: من وجهة نظري فهو جيش منهزم! ولم يقلها بعبارة امرئ القيس:
وما جبنت خيلي ولكن تذكرت +++ مرابطها في بربعيص وميسرا
وإنما كان تعبيره مباشرا: جيش منهزم!
وسبق أن لقيت تلك الجماعة، وكان الحديث عما جرى في العاشر من يوليو، ومن الغريب أن شيخا من العائلات الروحية في موريتانيا كان معنا ينصت إلى حديثنا، وفجأة التفت إلينا قائلا: كذبتم جميعا، ليس منكم من قام بشيء، وإنما رصاصات جدي أنا هي ما أغنى تلك الليلة! ولم يستطع أحد منهم التصدي له ولا مناقشته بأي شكل من الأشكال! وبإمكانك أن تضيف هذا إلى الطبيعة غير التقدمية للانقلاب.
قيادة الكادحين وقفت تماما ضد انقلاب العاشر من يوليو، وكانت هنا منها الجماعة التالية: المصطفى ولد اعبيد الرحمن، الشاعر أحمدو ولد عبد القادر، عبد القادر ولد محمد سعيد، والمتكلم. اتجهنا في الصباح الباكر إلى أحد أصدقائنا من الحوض الشرقي، فحدثنا باعتقال المختار وبتفاصيل ما جرى. وقد اتخذنا الموقف الذي سبق أن تناولته؛ والرامي أساسا إلى تجنب حدوث تصفية حسابات في موريتانيا والحفاظ على الوحدة الوطنية، وأن لا يكون سلام إلا سلاما شاملا.
وبالتالي ففي السادس عشر من مارس لم أكن عضوا في AMD وإن كان فيها الكثير من أصدقائي، ومن بينهم قياديون في حزب الكادحين. وكنت في الإقامة الجبرية بالمذرذره بعد عودتي من تشيت. وخلال ذلك مرض والدي رحمه الله فسمحوا لي بالحضور إلى انواكشوط، وبعد وفاته – رحمه الله- وقعت أحداث السادس عشر من مارس دون أن يكون لي أي علم بها، وحين آلت الأمور إلى مآلاتها اعتقلت مع الكثير من الموريتانيين كما سبق أن قلت. فحين وصلت إلى المطافئ وجدتها ممتلئة بالأمراء والوزراء والموظفين.. منهم الأمير احبيب ولد أحمد سالم رحمه الله، واحبيب ولد اعلي أطال الله بقاءه، والعربي ولد كركوب، وهناك الكثير من رجال الأعمال كبنبه ولد سيدي بادي، ومحمد ولد اخيار، وسيد المختار ولد الوالد، والشيخ ولد خطاري، وهناك الكثير من المثقفين والموظفين كالحسن ولد الطالب، والمفيد ولد الحسن، وتم اعتقال سائر وزراء المختار.. وغيرهم. هناك الكثير من الناس. وقد نفينا جميعا إلى الداخل؛ فمنا من أمضى سنة في المنفى، ومن أمضى سنتين، ومن أمضى ثلاثا، ومن أمضى أكثر حتى جاء انقلاب 12/12. وكانت الأغلبية مطاردة، ثم انضم إلينا البعثيون في السجون والمنافي، وبعد ذلك بمدة سجن المصطفى ولد محمد السالك وسيد أحمد ولد ابنيجاره، وعوملا معاملة رهيبة، ثم جاء دور الناصريين.
هان الكلام
قبل ذلك حكم بإعدام جماعة 16 مارس ونفذ ونحن هنا، وكان يوما حزينا في حياتنا، مع أن الكثير منا لم يعلم بوقوعه، والكثير منا قد لا يشترك معهم في التخطيط ولا في الفكرة، لكن الكثير منا يقدر موقفهم ويرى أنهم مثلوا أملا ورفضا لن يكونوا الأخيرين فيه، وفعلا لم يكونوا الأخيرين.
رثيتهم بقطعة على شكل رسالة إلى الأميرة مانه بنت احبيب زوجة أحمد سالم ولد سيدي رحمه الله:
أأميرتي هـــان الكــــلام +++ وهوى السلام. فلا سلام!
كيف السبيل لمقــصدي؟ +++ من أين بدئي والخـــتام؟!
خطب ألم بشـــــــعبـــنا +++ من هوله صــعق الأنـــام
ذبح الحسينَ المسلـــمو +++ ن؛ ولم ينم بعدُ الإمـــام!
والشمس أدمى قرصها +++ قرضا صراصير الظـلام!
والفرد يصــــــــلي أمة +++ سوء العذاب والانتـــقام
والليل يترى والنــــهارْ +++ لم يَعْرُ سيرهما انفصام!
أين التمرد والفـــــــدا +++ والثأر.. أين الانتــــقام؟
أين المــــروءة والإبا +++ أين الكرامة؟ يا كـــرام!
ذهب الرجال فلا رجا +++ لَ.. ولم تقل شيئا حذام!
أأميرتي صــــبرا لما +++ قد شك قلبك من ســـــهام
ماذا يفــــيد هنا البكا +++ والحزن.. أو يجدي الهيام؟
في ذمـــــة الله الأُلى +++ سقطوا على الدرب عظام
ما مات من أبقى ثنًا +++ في جبـــــهة الدنيا وسام!
لحسن: بهذه الأبيات الجميلة التي واكبت تلك المرحلة سنطوي إذن حلقة الليلة، على أمل أننا سنفتح حوارنا مجددا بحول الله في الحلقة القادمة من برنامج "ضيف وقضية" وتحديدا بالعنصر المشوق الذي بقي لنا من هذا السرد التاريخي لتلك المرحلة؛ خاصة ما يتعلق بالإعدامات التي جرت في السادس عشر من مارس، وما اكتنف تلك الأحداث حينها.
وسنتعرف على حقيقة ما أشيع من قبل النظام حينها من أن ذلك كان وقوفا ضد مشروع خارجي تقوده المملكة المغربية بالرؤوس التي حاولت الانقلاب حينها على الرئيس محمد خونا ولد هيداله، وسنستفيض في الحديث معكم حول هذه التبريرات التي قدمها نظام ولد هيداله.
كل ذلك سيكون - بطبيعة الحال- في الحلقة القادمة من برنامج "ضيف وقضية".
استمتعنا كثيرا معكم في هذه الحلقة بالسرد التاريخي حول تلك المراحل السياسية والنصوص التي واكبتها من إنتاجكم؛ والتي جاءت مطبوعة بالجمالية الشعرية دائما كما عودتمونا.
شكرا لكم على قبول الدعوة والحضور معنا أيها الأستاذ محمدٌ ولد إشدو، على أمل أن يتجدد اللقاء بكم في حلقة قادمة من برنامج "ضيف وقضية" وإذا كانت لديكم كلمة أخيرة مقتضبة..
"بعد صدور تجريم الانقلابات في الدستور (...) قرأت في الكثير من المواقع الألكترونية مقالا تحت عنوان "صرخة استنجاد إلى جيشنا العظيم" كتبه شاب يطالب فيه الجيش بالقيام بانقلاب (...) لماذا يترك الذين ينادون بالديمقراطية (...) الحبل على الغارب؟ وأين الهابا من مثل هذه الدعوة؟"
ذ. إشدو: كما عودتموني أن أقول كلمة في النهاية فكلمتي الآن خارجة عن الموضوع، ولكنها داخلة فيه بوجه آخر. لقد تحدثت عن التيه الذي عشناه منذ 40 سنة بسبب العاشر من يوليو، ولا أتمنى أن نقع في تيه آخر.
من الغريب أنه بعد صدور تجريم الانقلابات في الدستور، وبعد أن عشنا هذه الديمقراطية على جميع علاتها، حيث يقول كل منا ما يشاء أن يقول، لكنها ديمقراطية منظمة، وبعد المآسي التي أوقعتنا الانقلابات فيها.. من الغريب جدا أنني قرأت في الكثير من المواقع الألكترونية مقالا تحت عنوان "صرخة استنجاد إلى جيشنا العظيم" كتبه شاب يطالب فيه الجيش بالقيام بانقلاب، ويرى أن هذا هو الحل الوحيد للكثير من المآسي التي ربما لا يحس بأكثرها سواه.
أود أن أقول إن الجيش خسر من أفراده وقادته في عهد الانقلابات أكثر مما خسر منهم في الحرب.
والغريب عندي هنا أمران:
- لماذا يترك الذين ينادون بالديمقراطية في الموالاة الحبل على الغارب؟ وأين الهابا من مثل هذه الدعوة؟
- وكيف يسمح الذين ينادون بالديمقراطية في المعارضة به، وكيف يكون الكثير ممن يحومون حولهم يكتبون هذا وينشرونه وعندنا دستور يجرم الانقلابات، وعندنا التجربة المريرة التي عشناها؟
أنا أتساءل.
وأقول للجميع إن عليهم تحمل المسؤولية، وأطلق صرخة استنجاد إليهم جميعا لينقذونا من هذا النوع.
لحسن: باعتبار المحافظة على العملية الديمقراطية داخل البلد أولى من إطلاق العنان لمثل هذه الدعوة.
ذ. إشدو: بطبيعة الحال. تم تجاهله والحمد لله ولا قيمة له لكن على الهابا إن كانت موجودة، وعلى قادة الأحزاب السياسية إن كانوا موجودين أن يكون لديهم خط فاصل بينهم وبين هذه الأمور.
لحسن: ونحن نرجو أن تكون رسالتكم قد وصلت إلى الجهات المسؤولة عنها ونجدد لك الشكر على لحضور معنا، والشكر موصول إلى كل المشاهدين على حسن المتابعة والإصغاء، وإلى أن يتجدد اللقاء في حلقة قادمة من برنامج "ضيف وقضية" مع الأديب والسياسي والمحامي الأستاذ محمدٌ ولد إشدو ضمن سلسلة الحلقات التي نتناول فيها مختلف مراحل التاريخ السياسي الموريتاني.. إلى أن يتجدد اللقاء دمتم في أمان الله.
تصنيف: