أود أن لا أترك هذا الموضوع قبل قراءة أبيات من قصيدة ضاعت للأسف، كتبتها يوم حادث الطائرة، وكانت عندي في دفتر يحوي مذكراتي بتشيت.
فقد اعتقلت أنا والتجاني ولد كريم رئيس المجلس الأعلى للشباب، بعد تغييرات الرابع من يناير بحوالي شهرين ونفينا إلى تشيت في إطار المنحى الذي نحاه الحكم آن ذاك، وقد سرق الدفتر الذي يحوي مذكرات المنفى والنص المشار إليه.
وهنا أنتهز الفرصة لأطلب من كل من عثر على هذا الدفتر، وخصوصا إدارة الأمن؛ حيث لم يعد لهذا تأثير يذكر، أن يعيده إلي، لأن هذه القصيدة عزيزة على قلبي. وفي مقدمتها أقول: "في رثاء المرحوم أحمد ولد بسيف رئيس الوزراء الأمل، الذي وافاه الأجل المحتوم في حادث غامض (وقد سرقت المخابرات هذه القصيدة مع مذكراتي في تيشيت من بيتي في المذرذره أثناء الإقامة الجبرية).
أقول:
سئمتَ الأرض إذ ملئت غـباء +++ وكفرانا.. فــعانقت الســـماء
رحلت إلى العلا شهما نظيـفا +++ تريد لنا الكـــــرامة والإبــاء
ورمت السلم في شرف وعـز +++ ولم تركع لتطـــلبها غـــــباء
رسالتك التي هبطت عليـــــنا +++ - أبا سيف- ستمنحنا الـعزاء
ونمشيها خطى كتــــبت علينا +++ وننـــــتزع الكرامة والبـقاء.
هذا ما بقي لي منها لأنه علق بذاكرتي.
هذه القصيدة تعبر شيئا ما عن روح تلك الفترة بالعموم.
وفي قصيدة أخرى أقول:
إنا كبونا؛ وتكبو الخيل عن كرم +++ دهرا وتنهض للثارات أعواما.
ويمكن أن أقرأ لك قصيدة تلمسي، بمناسبة قولك إننا أمام ذكرى الاستقلال الوطني، وإن كل ما هو وطني أو مرتبط بالوطن فهو مطلوب.
هذه القصيدة من إنتاج تلك الفترة وهي معبرة عن روح ذلك العهد، لأني بعد السادس عشر من مارس وضعت في حبس انفرادي بباسكنو في تلمسي، ولم أكن وحدي في ذلك؛ فبعد السادس عشر من مارس قلت فئة أو جهة موريتانية إلا وحبس الكثير من أهلها، وقد فتحت أبواب المنافي للموريتانيين.
تلمسي
(أو هكذا الدهر)
في السجن الانفرادي في باسكنو (غناها الفنان الكبير محمد ولد الميداح)
من عجـــــيب العجيب أن تلمسي +++ تصـــــبح اليــــوم ذات شأن بنـــفسي
ها أنا اليوم في تلــــــمسي أسير +++ أي عـــــهد بيـــــني وبين تلمــــسي؟
أين مني عرائس البحر؟ أين الـ +++ ـگـــــبله مني؟ وأين مســـقط رأسي؟
نفحة من عبير تلك الـــــــروابي +++ كيف تغــــدو هـــــنا رهيـــنة رمس؟!
ووميض من فجرها قد تــــــلالا +++ كيف يخبو؛ وليلها جد مُـــــــــــغْسِ؟!
ونشيد من "مَاغَجُّوگَه" أصيل +++ كيف يحلو دون انتَـــــــمَاس وكَـرْسِ
رب يوم هناك كنت سعــــــــيدا +++ بين إنــسي.. وليـــــــــلة طاب أُنـسي
ألثم البدر في الشفاه رحيـــــقا +++ ملء نفسي؛ وصهوة الشمس كـأسي
لا أبالي بحادثات اللــــــــــيالي +++ أنـــفق العـــمر بيــــــن جَنْيٍ وَغَرْسِ
أقــفرت تلـــــكم الربوع وذلت +++ بــعد عــز.. فيـــومها غـــــــير أمس
"حين غابت بنــــو أمية عنها +++ والبهاليل من بني عبد شــــــــــمس"
"ذكرتنيهم الخطــــوب التوالي +++ ولقد تُذْكِرُ الخــــــطوب.. وتُنـــــسي"
هذان البيتان مضمنان.
هكذا الدهر.. إن أساء فصـــــبرا +++ سوف يصفو من بعد كد وبــــؤس
يا بلادي أحببت فيك ضـــــياعي +++ وبظلمي رضيت فيك.. وبخــــسي
لست أبغي في الكون عنك بديلا +++ وعزائي أني بأقصاك.. منـــــسي!
يا بلادي آمنت فيك بـــــــــزحف +++ سوف يقضي على الجذوع بفأس.
لحسن: الله!
ذ. إشدو: هذه القصيدة من وحي ذلك الزمن الذي اعتبر الموريتانيون فيه أنفسهم أسرى؛ والذي انتهى 12/12.
لقاءات في المغرب
طبعا جاءت حركة السادس عشر من مارس، وكثر الكلام عنها، وأنا أود القول إني كنت في اجتماع للجان الوطنية لليونسكو في المغرب، فلقيت العقيد محمد ولد ابه ولد عبد القادر رحمه الله، وكان الوحيد الذي أعرفه من أولئك العسكريين؛ فقد تعارفنا بعد العاشر من يوليو، وعرفت فيه رجلا خلوقا وشجاعا ووطنيا.
في هذا اللقاء لم يحدثني عن المشروع الذي يعملون من أجله. وقد حدثني أنه إنما مضى حين علم أن لا مكان لبقائه، وأن الاتجاه الذي حكم بعد سقوط الطائرة مضاد 100% لاستقلال موريتانيا وحيادها وبقائها، وأنه هاجر من أجل رفع راية المقاومة. لم يطلب مني شيئا ولم يقل لي إلا أمورا بسيطة.
ذكر لي أيضا رسالة تلقاها من أحد ذوي الزعامات الكبرى في موريتانيا بعث إليه ابنه برسالة يشبه فيها هجرته برحلة الجنرال ديگول ووثوبه في الطائرة عند ما استسلم الماريشال باتييه للألمان.
لقيت هناك أيضا صديقي الأديب الشاعر محمد الكبير العلوي رحمه الله، فرتب لي زيارتين لشخصيتين مغربيتين إحداهما فوجئتُ بقدومي إليها لأني لم أعرف من أين أبدأ؛ هي إدريس البصري رحمه الله، وكان يومئذ وزير الداخلية بالمغرب، وشخصية رهيبة عند الناس، ويرون أنه هو من يحكم المغرب.
وكما سبق أن قلت فأنا زرت الجزائر والتقيت بالبوليزاريو وناقشت معهم، ولا يوجد ما يمنعني من لقاء أي أحد، ولكن لا يوجد سبب ليسيطر أحد علي أيضا.
في الفندق الذي نزلت فيه فوجئت بشخصين أحدهما أبيض البشرة والثاني داكنها، وأخبرني أصحاب الفندق بأن الأبيض منهما يسمى الأمير فلانا ابن الشيخ سيديا والثاني مرافقه فتعجبت من هذا، وحين زرت إدريس البصري رحمه الله إذا بالرجلين خارجين من عنده! وحين لقيته اكتشفت أن إخواننا سواء المغاربة منهم والجزائريون (الليبيون لم ألقهم) ينقصهم الكثير من أخبارنا، ولا يدرون أين يوجهوننا، لأنهم لا يفهموننا على النحو الصحيح.
خلا ل حديثي مع إدريس البصري مما له قيمة، ولم يتناول شيئا ملموسا، إلا ما كان من أمر واحد مفاده أن الموريتانيين جميعا يأتون ثم لتحقيق مآربهم وبالإمكان قضاء تلك المآرب وامتلاكهم بقضائها.
خرجت من عنده وأنا أشعر بالقرف.
الشخصية الثانية هي الدي ولد سيدي بابه رئيس البرلمان، وقد أفضت وإياه في الحديث عن موريتانيا ووضعيتها آن ذاك، وقدم إلي طلبا غريبا فقال: إذا عدت إلى موريتانيا فأرجو أن تتصل بأخي أحمد ولد سيدي بابه وتقرئه مني السلام، وتذكره - نيابة عني- بما سبق أن قلت له، من استحالة أن تكون موريتانيا دولة، وأنهم إنما يضيعون وقتهم فيما لا جدوى منه.
ناقشت الدي في هذا وخالفته الرأي، وقلت له إن موريتانيا ستكون دولة وستبقى وكذا وكذا..
إنا كبونا؛ وتكبو الخيل عن كرم +++ دهرا وتنهض للثارات أعواما.
وللأمانة بحثت عن أحمد ولد سيدي بابه عندما وصلت هنا، ولم تكن لي به معرفة من قبل، وبلغته الرسالة فقال لي: هذه الرسالة قديمة، وأنا لا أومن بها، وأعْرَبَ عما يتفق تماما مع رؤيتي الآنفة الذكر لوجود الدولة الموريتانية وبقائها.
أنشئت AMD في غيابي فلم أكن عضوا فيها لأني كنت في تشيت آن ذاك، لكن أكثر أعضائها من أصدقائي، وبعضهم من قادة الكادحين.
تصنيف: