فوضي تراخيص المؤسسات التعاونية ... القطاع الزراعي نموذجا

ظهرت المؤسسات التعاونية علي مستوي العالم  في منتصف القرن التاسع عشر، كردة فعل من صغار المنتجين والحرفيين  علي ظهور مؤسسات صناعية كبري بدأت تفرض شروطها وتتحكم في كامل الدورة الاقتصادية ، الأمر الذي تطلب إيجاد توازن سيكون النواة الأولي لما سيعرف لاحقا بالاقتصاد الاجتماعي.

تعتبر المؤسسات التعاونية وسيلة فعالة لتحقيق التنمية الاقتصادية المستدامة ، مما يسمح بخلق قاعدة لتحقيق مشاريع اقتصادية واجتماعية تساعد في محاربة الفقر والإقصاء وتوفر شروط الاستغلال العقلاني للموارد الطبيعية،وتعود كل تلك المزايا إلي امتلاك العمل التعاوني لقيم حددها التحالف الدولي للتعاونيات (  ACI ) بما يلي : التعاضد- المسؤولية اتجاه المجتمع واتجاه الأعضاء – الديمقراطية-التضامن-المساواة-الإنصاف.

تعد المؤسسات التعاونية نموذجا بديلا للمؤسسات الاقتصادية الليبرالية الكلاسيكية، فهي تركز علي الإنسان بينما تهتم الثانية بالربح وزيادة رأس المال، لذلك أصبحت المؤسسات التعاونية نموذجا مغريا خصوصا في الوسط الريفي.   

 أهم أشكال المؤسسات التعاونية في بلادنا

التعاونيات:

التعاونية مجموعة أشخاص  تجمعوا  لتحقيق هدف مشترك عن طريق إنشاء شركة مسيرة جماعيا  وفقا  للقانون رقم 67 -171 الصادر بتاريخ 18 يوليو 1967 والقانون 93-15 الصادر بتاريخ 21 يناير 1993 والمعدل للقانون السابق،وتتكون علي الأقل من 7 أشخاص ويمكن أن ينضم أي شخص أو أي شخصية اعتبارية غير أعضاء في تعاونية أخري تزاول نفس النشاط  وتسجل لدي وزارة الزراعة.

لم تنجح التعاونيات في بلادنا في أن تحقيق الأهداف المناطة  بها، نظرا لافتقارها لقيم العمل التعاوني ،فهي كيانات عائلية في أحسن الأحوال وفي أحيان كثرية  تكون بعدد نساء الأسرة، فقد اُختزلت تلك المؤسسات في تراخيص تمنحها وزارة الزراعة بسخاء و بدون ابسط الضوابط في عملية تناسخ عبثية تتقنها الوزارة بشكل جيد.

إن ترخيص عشرات التعاونيات الزراعية في قرية تعجز عن توفير الماء الشروب ولا تملك أية مقومات للقيام بأنشطة زراعية ،يعد استهتارا من شأنه الهاء نساء  الوسط الريفي وهدر طاقاتهم،وفي حالات عديدة تجد التعاونيات الحقيقية  والمتوفرة علي مقومات الإنتاج نفسها تائهة في كم هائل من التعاونيات الوهمية، مما يسبب الإحباط ويدفعها للتفكك بهدف الحصول علي المزايا التي قد يقدمها بعض الممولين أو الوزارة ،الأمر الذي يسهم في إضعاف وتبعثر النسيج التعاوني مما ينعكس سلبا علي العملية الإنتاجية. 

الجمعيات:

إن الجمعية هي اتفاق  بين شخصين أو أكثر علي التعاون المستمر من اجل تحقيق هدف ما غير الربح المادي، وفقا للقانون المنظم  الجمعيات رقم 64 -098 الصادر بتاريخ 9 يونيو 1964، عرفت الجمعيات سنة 2005 زيادة كبيرة في إعدادها لتلحق هي الأخرى بالتعاونيات،  وان كانت لا زالت اقل منها عددا لكنها تشترك معها في نفس المشاكل.

التجمعات ذات النفع العام (GIE):

التجمع ذو النفع العام هو آخر صور العمل التعاوني عبر العالم ،وجاء استجابة لتطلعات مختلف الفاعلين الاقتصاديين ، لم تتأخر بلادنا كثيرا حيث سنت القانون رقم 97 -009 الصادر بتاريخ 21 يناير 1997 ،والذي يتيح لكل فاعل يزاول عملا اقتصاديا أن يُنشآ مع آخرين تجمعا تعاونيا لتطوير أداء نشاطهم الاقتصادي الأصلي، فمثلا يعد أهم تجمع ذو نفع عام في بلادنا  هو تجمع الكابل البحري والذي يتيح لشركات الاتصال تطوير أدائها عن طريق  نمط تعاوني والاستفادة من مزايا ترخيص مؤسسة تعاونية،كما أن البنوك الأولية أيضا تملك تجمعا للصرف الآلي.

وفقا للقانون المذكور لا يجوز توزيع إرباح متأتية من نشاط التجمعات ،ويقتصر دورها في تحسين أداء النشاط الأصلي ،الأمر الذي لم تفهمه وزارات عديدة ،حيث تدفع بعض العاطلين عن العمل مثلا لإنشاء تجمعات ذات نفع عام ، بينما لا يسمح القانون بذلك ،فشرط وجود نشاط أصلي لا يمكن تجاوزه ،ومن الأخطاء أيضا الناتجة عن عدم الاكتراث، إدماج مفوض الحسابات في المكتب التنفيذي وبتوجيه وإشراف من الوزارة.  

يعاني العمل التعاوني اليوم في المجال الزراعي من فوضي عارمة، أضرت بشكل كبير باقتصاد الريف، وأفقدت صغار  المنتجين المزايا الكبيرة التي  توفرها المؤسسات التعاونية ،كما أفرزت قيادات لا تحظي بالتمثيل الملائم لجمهور المنتجين، مما انعكس سلبا علي كل السياسات القطاعية  وأربك الشركاء الدوليين فشكواهم واستغرابهم علي كل لسان.

 لقد أصبح لزاما علي صناع القرار إعادة تنظيم النسيج التعاوني،  خصوصا أن الدولة لن تجد اليوم شريكا جادا وممثلا حقيقيا للمنتجين علي الأقل في قطاعات: الزراعة و التنمية الحيوانية و الصيد.

 

المهندس:الهيبة ولد سيد الخير

تصنيف: 

دخول المستخدم