بدأت أولي الاستصلاحات الزراعية علي مستوي الضفة عام 1962 في مزرعة اعمر لعوينة، لتليها مزرعة بخو فاتيكان، بينما كان الاستصلاح الأكبر علي مستوي مزرعة امبورية سنة 1967 ،لم ترافق تلك الاستصلاحات بتأطير كاف ،كما أن تدخل الدولة كان خجولا حيث اقتصرت منظومة التمويل علي الصندوق الوطني للحبوب Fonds National des céréales (FNC) .
في عام 1975 قامت السلطات العمومية بإنشاء الشركة الوطنية للتنمية الريفية (صونادير) ،كمؤسسة عمومية، تُعني بتطوير الزراعة المروية في البلد ،حيث كُلفت بالتخطيط وإعداد دراسات ما قبل التنفيذ ،والإشراف والمراقبة والصيانة للاستصلاحات الزراعية ، كما أسندت لها مهمة إرشاد وتأطير المزارعين علي مستوي الضفة.
لم يقتصر دور الشركة علي المهام المناطة بها، بل تجاوزتها كلما استشعرت فراغا يؤثر علي نجاح مهمتها.
شكل قانون الإصلاح العقاري ، وما ترتب عنه من زيادة المساحة المروية، واتساع منظومة القرض، وبناء سدي جاما ومننتالي، دفعة قوية للشركة حيث أنجزت استصلاحات هامة نذكر منها:
- المزرعة النموذجية 1 بقورقول سنة 1977؛
- السهل النموذجي ببوغي سنة 1983؛
- سد فم لكليتة سنة 1986؛
- مزرعة الركيز سنة 1986؛
- المزرعة النموذجية 2 بقورقول؛
- استصلاح مقامة للزراعة الفيضية؛
- عشرات المزارع القروية الصغيرة.
تميزت هذه الاستصلاحات بشكل عام بجودة التنفيذ، حيث لا زالت هذه المزارع تزرع لحد الساعة ،دون الحاجة حتي إلي إعادة تأهيل، فصمودها لما يزيد علي ثلاثة عقود يستحق الإشادة، خصوصا أنها فترة كافية لاسترداد ثمن تلك الاستصلاحات مهما كانت كلفتها.
استطاعت صونادير أن تكون محرك قاطرة الزراعة المروية ،وبيت خبرة أَسهم في تخريج كوادر يحتلون الآن مراكز هامة علي مستوي المنظمات الإقليمية والدولية.
صونادير بعد إعادة الهيكلة
شكلت التوصيات المنبثقة عن مراجعات الممولين ،اثر اعتماد برنامج التعديل الهيكلي للقطاع الزراعي PASA سنة 1990 ،نقطة تحول، حيث تمت إعادة هيكلة الشركة ،فيما قد يعتبر تحجيما لدورها وتقزيمها،لتكتفي بتوقيع رسالة تحديد مهمة بينها والدولة للفترة ما بين سنة 1994 و 1996 ،ليصار بعد ذلك إلي توقيع عقود تكليف بانجاز مهام تجدد كل ثلاث سنوات .
تراجع دور الشركة اثر تلك الهيكلة كثيرا، حيث هجرها معظم كوادرها ،وتدنت خدماتها، فاستصلاحاتها الأخيرة كسرت كل الأرقام القياسية في الرداءة، فالشركة مثلا تدخلت عبر بعض المشاريع التابعة لها لإعادة تأهيل بعض المزارع القروية، لكن المزارعين تفاجئوا بان مزارعهم لم تعد وببساطة صالحة للاستغلال!.
انكفأ دور الشركة في الفترة الماضية، حيث تغولت عليها إدارة الاستصلاح الريفي في تعارض للمهام يعتقد انه مختلق، لتنصب جهودها علي إرشاد و تأطير المزارعين، لكنها فشلت أيضا في ذلك فهي تعمل بطرائق بدائية، فلا معينات سمعية بصرية ملائمة ولا نتائج بحث تعمم أصلا ، مما افقدها ثقة المزارعين ، بل أصبحت موضع تندر وتهكم ..سبحان مغير الأحوال!.
تعيش صونادير اليوم وضعية مزرية ،فقد توارت عن الأنظار في روصو، وبالكاد تدفع رواتب موظفيها الزهيدة،أما فروعها الداخلية، فغالبا ما تعجز عن دفع فاتورة الكهرباء ،لتغرق في الظلام الدامس،بينما تبقي المباني و حطام الآليات ،كالشاهد الذي يذكرنا بمجد عاشته الشركة ذات يوم.
وأد صونادير وميلاد الشركة الوطنية للاستصلاح الزراعي والأشغال "اسنات"
قررت السلطات العمومية تأسيس شركة جديدة سميت بالشركة الوطنية للاستصلاح الزراعي والأشغال "اسنات" ،كُلفت عام 2010 بتنفيذ برنامج طموح ،يهدف إلي استصلاح 25 ألف هكتار في أفق 2020، نُفذ منها حتي الآن 8500 هكتار، إلا أن تلك الاستصلاحات سببت هدرا غير مسبوق للمال العام، فالعديد منها لم يزرع لرداءة الاستصلاح، كما أن عمرها التشغيلي لن يسمح باسترداد أثمانها، كلفت اسنات أيضا بإدارة وتأجير الميكنة الزراعية لصالح المزارعين ، لكن معداتها تعطلت وتخلصت منها بعد فترة قليلة.
لقد كان من الأسهل إعادة إحياء صونادير ، بدل محاولة بعث مؤسسة جديدة ،لكن علي صُناع القرار استدراك الأخطاء قبل فوات الأوان،فالاستمرار في انجاز الاستصلاحات الرديئة ،يعد طعنة في الظهر لسياسة الحكومة في المجال الزراعي.
يحتاج قطاع الزراعة اليوم إلي مراجعة جادة وشجاعة تسمح بتثمين ما تحقق، والاستفادة من العثرات والأخطاء،لكن الأهم هو التوقف عن التمادي في إتباع السياسات التي أثبتت فشلها.
المهندس:الهيبة ولد سيد الخير
تصنيف: