تحكي الأساطير والقصص في التراث العربي أن طائر العنقاء عندما يموت يحترق ويصبح رمادا ثم يخرج من بين الرماد وحطام الموت طائر عَنقاء جديد ليبدأ رحلة الحياة المتجددة .. !
هل يشبه رجال السياسة عندنا هذا الطائر الأسطوري أم أن الشعب هو الذي يشبه العنقاء..! أعتقد أننا شعب مزدوج السطح والقاع .. وجهان لعملة واحدة شغوفون بالأساطير وتصديق الخرافة حياتنا "عنقائية" تبدأ من الرماد وتنتهي به وذاكرتنا ذبابية لا تحتفظ بشيء وكأنها تكتشف كل شيء أول مرة .
حاصرتني أمواج من الأسئلة الهائجة وأنا أتابع مهرجان التكتليين في ساحة ابن عباس.. ماذا ستكتشف تلك الجماهير هل هي أمام قائد جديد وخطاب جديد أم أنها نفس الوجوه ونفس الخطب التي حفظناها عن ظهر قلب .. كيف نسيت تلك الجماهير المتحمسة مواقف قادتها من دعم الانقلابات والدعوة لتغيير الأنظمة بوسائل غير ديمقراطية ، حتما ليس هناك ما يبشر على مستقبل الديمقراطية في هذا البلد مادامت ذاكرتنا محطمةً مسلوقةً مسلوبةً بهذا الشكل الفظيع .
بدأت أتعرف على حزب التكتل وقادته مطلع تسعينيات القرن الماضي وأنا حينها لازلت طفلا لا أدرك تفاصيل الأحداث من حولي ،الشيء الوحيد الذي أدركه أن هناك صراعا ما بين ولد داداه وولد الطايع ، كنت وأصدقائي نعبر عن ذلك الصراع بإشعال عودي كبريت كل واحد منهما يمثل أحد الرجلين ونضعهما متقابلين وأقلهم احتراقا يكون منتصرا ، ويحتفل به أنصاره ، كنا ديمقراطيين على طريقتنا ، لم يكن هناك منتصر دائم على عكس الواقع الذي كان يجري من حولنا أيام ديمقراطية ولد الطايع .. كنا نعيد قصة العنقاء من حيث لا ندري.
أخذتنا الأيام لتضعنا في مواجهة مع واقع النخب السياسية ذات الأقنعة الزائفة التي لا تقبل الفهم أو التأويل .. فكل وجوهها متشابه وسياساتها لها نفس الرائحة والطعم هدفها الوصول إلى السلطة بأي طريقة كانت لتتساقط أمامها أحلام الشعب مثل أوراق الخريف .
لم يحمل مهرجان ابن عباس أي رسالة جديدة على الساحة السياسية بل ظل رهين خطاب قديم مستوحى من أيام الرحيل التي منيت فيها آنذاك الأحزاب الراديكالية في المعارضة بخيبة أمل كبيرة حين تبين عجزها عن تحريك الشارع الموريتاني .. لم يتحدث التكتليون عن الرسالة الحقيقية للمهرجان الموجهة بالأساس إلى رفاق الأمس في المنتدى وقبله في المنسقية ، إنها فعلا رسالة انهيار البناء الكرتوني لآخر معاقل تنظيمات المعارضة .
من يقبل اليوم أن يستمع إلى نفس الخطاب الذي سمعه في التسعينات وأن يظل الفعل المعارض هو الممسك بأنظمة الوعي لدى النخب الحية خاصة من الشباب ، على الأقل هكذا يراد لنا أن نفهم الفعل السياسي ، وفي الحقيقة نحن معنيون جميعا بالمشاركة في صناعة مستقبل هذا الوطن كل من موقعه وقناعته .
أشفع التكتل مهرجانه ببيان طويل عريض يحمل الكثير من المغالطات والتعارض في الصياغة والبناء ، كنت أتوقع أن يكون البيان يحمل وثيقة سياسية مقدمة للفرقاء السياسيين، لكن الوجه الثوري طغى على صوت العقل والحكمة في التعاطي مع القضايا الوطنية، وأعاد طرح فصول اتراجدية جديدة لن تضيف للمشهد السياسي سوى مزيد من الخيبات في إيجاد أرضية مشتركة للتحرك نحو الفعل الواعي والمسؤول ، بل سنصبح أمام مجموعة من القادة السياسيين كل منهم يسعى لسيادة أفكاره مهما كلفه الأمر .
نتوقع أن تولد علاقة عِشْقِية بين التكتل ومهرجانه الأخير ستؤثر هذه العلاقة دون شك على تعاطي الحزب مع الواقع خارج الساحات والحشد الجماهيري .. سيظل جالسا على حقائبه ينتظر لحظة الرحيل .
المصدر : مراسلون
تصنيف: