لا يزال الحوار الوطني الشامل متواصلا للأسبوع الثالث، بعد أن تم تمديده للمرة الثانية. وقد تطرق المشاركون فيه لجميع المقترحات الواردة في ورقة الحوار فأشبعوها درسا وتمحيصا، وعرضوا فيها آراءهم بمنتهى الجراءة، وفي جو من الحرية منقطع النظير. وها أنا ألخص لكم ملاحظاتي على ما جرى:
1.لم يكن تمديد الحوار ضروريا إلا إذا كانت هناك أحزاب وقوى أخرى على أهبة الالتحاق به، فيمكّنها التمديدُ من إبداء رأيها في المسائل المطروحة. ومع ذلك فقد سمح التمديد لجل المشاركين بتكرار وتعميق وتوضيح مختلف المواقف التي عبروا عنها مرارا في مداخلاتهم.
2.كان هنالك "تمييز إيجابي" بيّن لا مبرر له يمارس لصالح فريق الاتحاد من أجل الجمهورية وبعض قادة الأحزاب المغمورة. وقد جرى ذلك خاصة في ورشة مراجعة الدستور التي كانت من أهم وأغنى وأسخن ورشات الحوار لحد جعل البعض يسميها "نقطة ساخنة".
3. وبدوره، لعب الإعلام الرسمي - وخاصة قناة "الموريتانية"- دورا مضللا كرّس حجب الرأي الآخر المعارض لموقف الحزب الحاكم من القضايا المعروضة للحوار، وأفاض في نشر وتعميم موقف الحزب الحاكم بصورة جعلت المتلقي يظن أنها هي المواقف التي نالت الأغلبية. ويمكننا أن نأخذ مثالا على ذلك مقترح تغيير العلم والنشيد الذي عارضته الأغلبية الساحقة من المتحاورين.
4. فيما عدا نقاط سبع اصطلح جل المتحاورين على تسميتها "الثوابت" وعارضوا أي تغيير أو تعديل فيها وهي: اسم الدولة، ودينها، ووحدتها، ونظامها الجمهوري الرئاسي وحيد القطب، وعلمها، ونشيدها الوطني، وعدد مأموريات رئيس الجمهورية فيها التي لا تتجاوز اثنتين؛ فإن باقي التعديلات المقترحة في ورقة الحوار إما أنها نالت الإجماع كإلغاء مجلس الشيوخ وإنشاء مجالس محلية، أو كان خلاف المتحاورين فيها خلافا بسيطا؛ إذ هم بين محبذ ومعارض خاضع لرأي الأكثرية أو من لا يرى مانعا من الأخذ بها أو إجراء تعديل بسيط على تعديلها المقترح. وهذا ما يجب وضعه في الحسبان من طرف المقررين إذا كانوا جادين.
5.لم يعكر صفو الحوار وانسيابه المثمر الذي يؤتي أكله الطيب شيء مثلما عكره المهرجون والمدّعون وبعض المواقف السياسية الغريبة التي خلطت الأوراق وأدت إلى تصدع الإجماع والانسجام وانسحاب بعض المشاركين وارتياب بعض؛ بينما كان يجب العمل على ما من شأنه أن يوطد الوحدة والانسجام ويزيد عدد المشاركين في الحوار بغية خلق أوسع إجماع ممكن. وهذا ما يجب تداركه قبل فوات الأوان.
تصنيف: