فاطمة انديان تخاطب اباها رحمه الله: لن نطبع يا أبي

أبي ... يا ابتسامة كانت لنا ملجأ وأمانا
يا قصة عريضة جميلة ومؤلمة تأبى النسيان
لا تزال ذكرى استشهادك تستدعي كل ألم الجراح وكل أمل الذكريات والمستقبل.

يا حبيبي .... يا منة الله علينا وأعطيته ويا قضية ابتلاء وصبر وطمع في رحمة الله ولطفه وعدله
يا محنة نشهد الله أنه لا اعتراض عليها ولا تذمر.

أبي ... يا من كتبت له وعنه حيا في الدنيا وحيا في الذاكرة والوجدان ...
ماذا أقص عليك بعد ؟!
وكيف أصف لك الصورة والشعور؟!
عن ماذا ومن أحدثك هذه المرة ؟
عني؟
عن عائلتنا؟
عن الوطن والناس؟
عن ذكرك الطيب وذكرى استشهادك ؟
عن جرحنا الغائر النازف الثائر كل حين ؟

يا قصة ألم وأمل في حياتي ...
ماذا عساني أكتب لك وعنك وأنا أسيرة لحزن الضحايا وغضب المظلومين ...
ماذا أقول؟!
أيصبح القتلة أبطالا ؟!
نعم القتلة لأن من يريد اختزالهم في واحد ظالم ...
فالمتسبب ليس فردا
وأفراد الدبابة ليسو جنديا
والضحايا ليسو أنت فقط...

آه يا أبي ...
دعني أحدثك هذه المرة عن بعض الخذلان..
عن المرارة في تعاطي البعض معنا في مأساتك...
لعل البعض يفهم أو يتفهم حجم الأذية...
فالحال لم يستقر على حال كما عودنا الدهر يا أبي ...
ودروس الحياة التي أخبرتنا عنها لا تنتهي ...
ربما يخطىء البعض من حيث لا يدري
وربما نخطئ نحن في التقدير أو نعاني من فرط في الحساسية اتجاه الأصدقاء ...
لا أدري ...
ربما كل ذلك أو بعضه ...
أحاول أن أكون موضوعية بصعوبة وأنا أحدثك عن الأمر ولا أخفيك أنني أرتعب من فكرة أن يؤذينا فيك أحدهم ... فلا أنت تركت لنا إرثا من العداوة نعلمه ولا علم لي بسير لنا على جروح الآخرين ولا نزكي أنفسنا ولا نزكي على الله أحدًا .
أبي ...
كيف لا يعي البعض أننا نتذكر الأحداث كما عشناها أول مرة والفرق الوحيد بين الأحداث وتذكرها هو أن الأخيرة تمر ببطء مريع يؤلم أكثر ...
لماذا ينسى البعض أو يتناسى؟!
ألا يكفي البعض أننا لا نحاسبه على موقفه منا ولا موقفه من العدالة حتى يستحيي من أذية عيوننا وآذاننا بما نكره وتعريض مايحب ؟!
وكأني بمثل "نبغي بغيك ولا نكره كرهك يترجم في مثل مانراه اليوم ب "أفرح لفرحك ولا أتألم لألمك"

آه يا زمن... مررت والسياسة على الجرح فأصبحنا نبحث عن النبل في تحاشى البعض ذكر من تسببوا بمأساتنا على الأقل في حضورنا ...
كيف ضعفت الذاكرة حتى بدأ البعض يطالبنا تصريحا وتلميحا بالتطبيع مع الألم والقضية ..
تصور يا أبي !
ذاك صديق _كان مقربا قبل أن يبعده تصرفه_ يمجد الجناة دون أن يكلف نفسه تفعيل خاصية الإخفاء عني وعن عائلتي وربما عن ضحايا آخرين ؟! ...
وذاك آخر يبرئ بعضهم أمامي تمهيدا لتزكيتهم ...
والأدهى من كل ذلك من حاولوا ربط اتصالات بيننا وبين من كان سببا لمأساتنا!
ربما يراهن البعض على الزمن ويظن السنين كفيلة بالنسيان...
ربما يعول البعض على رداءة زمن بعد زمن وأهله فيحسب أن كل القضايا والنوايا تصدأ لا محالة...
ربما تهون عند البعض الدماء والأنفس ويحسبها هينة عند الجميع ...
ربما يفصل البعض إنسانيته بمقاسات الهوى والحمية فيخرج من حساباتها كل ما لا يمت له بصلة لصيقة...
ربما ...
ربما....

لكن لا والله العادل الذي لا إله إلا هو ...
لن ننسى ولن نطبع ...
ولن تزيدنا السنون إلا تشبثا بالحق والإيمان والأمل
ولن ننسى حقنا ...
حقنا أن نذكر بأن براءة المتهم التعيس لا تتحقق بشهادته لنفسه .
حقنا وحق كل الشرفاء .
18 عاما مرت وسيمر المزيد ولن تمل القلوب التوق لبزوغ فجر الحقيقة والعدل والإنصاف...
رغم ما يريده البعض من حجب للحقائق والوقائع بغربال من النفاق وعدم الأنصاف .
وقبل أن أتوقف لحين عن الكتابة يا أبي ...
لا يمكنني إلا أن أحدثك عن نصف الكأس الآخر ...
عن كلمات ومشاعر ودعوات أسندت ظهورنا كل هذه السنوات وربتت على أكتافنا ذات لحظات فارقة...
أحدثك عن قلوب لم تتركنا نفقد الأمل في الإنسانية والعدل ...
أحدثك عن عهود وعن طيبة وخلق ماكنا لنكتشفها لولا ذكراك ولولا أثرك ...
للمجموعة الأولى أقول سامحكم الله
وللثانية أقول دمتم إخوة وأصدقاء ومعارف في الله لا أرانا الله ولا أراكم سوء في من تحبون .
كل ذكرى ونحن وكل الضحايا إلى الحقيقة والإنصاف أقرب .
اللهم ارحم شهداء الثامن من يونيو جميعا واغفر لهم وتجاوز عنهم واعف وارحمنا اللهم إذا صرنا إلى ما صاروا إليه وبارك اللهم في خلفهم واحفظهم واحفظ موريتانيا وسائر بلاد المسلمين والمؤمنين بجاه وبحق سيد المرسلين محمد صلى الله عليه وسلم.
فاطمة محمد الأمين انجيان

تصنيف: 

دخول المستخدم