ظهر الفساد في البر والبحر.. (ملف)

ظهر الفساد في البر والبحر

ظهر الفساد في البر والبحر، فأصبح العدو الحقيقي الداخلي الأخطر لكل الدول والأمم والشعوب. وهو قديم قدم البشر، لكنه عرف تغلغلا وانتشارا واسعين في كافة مناحي الحياة في العالم منذ انهيار المعسكرين الاشتراكي والوطني (عدم الانحياز) وسيطرة القطب الامبريالي الرأسمالي الغربي ووكلائه على العالم؛ الشيء الذي أدى إلى كوارث لا حصر لها منها - على سبيل المثال- الحروب والمجازر والمجاعات والأوبئة وتجارة تهريب المخدرات والأسلحة والأعضاء البشرية والإرهاب والانحباس الحراري والتلوث الخ.. إنه أم الخبائث.

وقد بدأ العالم شيئا فشيئا يدرك خطورة الفساد وأضراره، فجعل محاربته ضمن أولوياته، ووضع لذلك آليات تخطئ وتصيب، وتبنى منهج الحكامة الرشيدة.

وفي بلادنا التي استفحل فيها هذا الداء منذ انقلاب الـ10 يوليو 1978 حين أهدرت حرمة الشيء العمومي، وشرع الجمع بين الأختين: السلطة والمال؛ وبلغ أشده في تسعينيات القرن الماضي.. تبنى بعض المصلحين في سلطة ما بعد 2005 مبدأ محاربة الفساد، وأقروه بندا ثابتا في سياساتهم وبرامجهم، وخاضوا ضده معارك ناجحة وأخرى فاشلة.. وكذلك الحرب سجال، يوم لك ويوم عليك.

ومما لا يدركه العقلاء بداهة أن الحرب على الفساد أصعب بكثير وأعتى من الحرب على الإرهاب. ذلك أن العدو في الأولى داخلي ومتحصن في كل المفاصل والمخابئ، وفي النفوس أيضا! ترتع خلاياه النائمة ذات المناعة العالية - والتي يفوق عددها عدد خلايا الجسم- في أمان. وله أسلحة متنوعة ومتطورة وناعمة  و"مشروعة" كذلك. فهي وإن جرمتها القوانين، فإن القائمين على تطبيقها قلما ينتبهون إلى وجودها، ولا ترصدها الأجهزة الألكترونية الدقيقة أو تشم رائحتها الكلاب البوليسية المدربة؛ خاصة إذا كانت في بلد ما تزال فيه الدولة (الإدارة والأمن والقضاء) في أمس الحاجة إلى الإصلاح.

ولذلك بدأت الحرب على الفساد في موريتانيا "تشبه العبث"! لكنها سرعان ما عرفت منعطفا مهما، تجلى - أول ما تجلى- في ضرب مواقع مالية وإدارية متقدمة ما كان من المتوقع أو المتصور الوصول إليها. ثم ظهرت بعض مظاهر الفساد المالي الدفين الذي كانت حوادث اتهام ومتابعة ومحاكمة أمناء الخزينة العمومية بمثابة قمة جبل الثلج فيه.

وأخيرا جاء اختفاء ونهب أسمدة سونمكس المعول عليها في السياسة الزراعية الرامية إلى تحقيق الاكتفاء الذاتي من الحبوب، وضلوع الكثيرين في العملية.. لقد ضرب الفساد ضربته إذن! فشكل كل ذلك  اختبارا لمدى جدية وأبعاد تلك الحرب؛ الشيء الذي أثار جدلا غير مباشر بين بعض المهتمين بالشأن العام في موريتانيا.

لذلك رأى موقعنا نشر ما استطاع رصده من تلك الآراء تباعا في ملف عنوانه "الحرب على الفساد في موريتانيا.. ما لها وما عليها" راجين ممن يحبون هذا الوطن ويغارون عليه ويهتمون بمستقبله ومستقبل أبنائهم، أن يساهموا بآرائهم في تنوير الرأي العام حول هذا الموضوع الأساسي الشائك، وأن يتجردوا ما استطاعوا في سبيل إحقاق الحق وتكريس مصلحة الوطن والأهل من مختلف المؤثرات السلبية والأحكام المسبقة، وإن كان ذلك من الصعوبة بمكان.

{ وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ }. 

 الأستاذ محمدٌ ولد إشدو

تصنيف: 

دخول المستخدم