ذ. إشدو : "نظام الرئيس محمد ولد عبد العزيز سلطة متمردة على "النظام"

نهج الحوار

ذ. إشدو: أضيف إلى ما سبق أن السلطة التي جاءت في السادس من أغسطس اتخذت من الحوار نهجا دعت إليه في انواكشوط، وفتحت الباب أمام الجميع. وفي دكار فتح باب الحوار وجئناه جميعا وتناقش الجميع واتفقوا على حكومة ائتلافية ولجنة مستقلة للانتخابات تحت رئاسة المعارضة وإجراء الانتخابات الرئاسية، وتم كل هذا، لماذا؟ لأن النظام لم يوصد باب الحوار أبدا. أخذ السلطة لكنه قال: "هلموا نبن موريتانيا جميعا، فمنهم من ارتأى ذلك ومنهم من ارتأى غيره".

أنا أعجب أحيانا من أن فتاة مغربية من سكان الأحياء العشوائية نبغت في علم الفلك فاكتشفت أن للنجوم نبضا؛ بينما ظل ساستنا نحن عاجزين عن اكتشاف نبض شعبهم وما يجري على الأرض أمام أعينهم!

لحسن: فيما يتعلق بفترة الرئيس الحالي محمد ولد عبد العزيز، لنتحدث بداية عن الشعار الذي ربما كان الشعار الرئيسي في عهده؛ وهو الحرب على الفساد. هل تعتقد أن النظام طبق مكافحة الفساد على أرض  الواقع، أم اقتصر الأمر على شعار؟

ذ. إشدو: نظام الرئيس محمد ولد عبد العزيز حارب الفساد، لكن الفساد ليس سهل المراس ولا بسيطا! إنه متوغل في كل مفاصل الدولة. أنا أسمي نظام السيد الرئيس محمد ولد عبد العزيز سلطة متمردة على النظام. فالنظام ما زال – إلى حد كبير- ذلك النظام الفاسد، لكن ثمة سلطة متمردة عليه وأطاحت بالكثير منه وبقي عليها الكثير.

بيد أنه أنجز إصلاحين أساسيين في محاربة الفساد:

أولا : لم يعد الفساد مباحا ومشروعا وممدوحا من طرف المجتمع ومن طرف النظام؛ بل أصبح عيبا ومذمة ومستهدفا بالحرب.

ثانيا : استعادت الدولة على أرض الواقع الكثير الكثير من الأموال، وتبنت الكثير من السياسات الإصلاحية، ولاحقت وضربت وعاقبت بعض المفسدين فكانوا موعظة وعبرة لغيرهم.

لحسن: أخذتم على المجلس العسكري تبني سياسة {عفا الله عما سلف}ألم يعتمد نظام الرئيس محمد ولد عبد العزيز هذا المبدأ؟

ذ. إشدو: اعتمده فيما سبقه، لكنه لم يتماد في إغماض عينيه عما يجري، فقد تبنى السياسات وسن القوانين بهذا الخصوص. كانت الدولة تتحمل إسكان قوم ونقلهم، وتتحمل عنهم الماء والكهرباء على أسس غير واضحة بينما يحرم آخرون من الحق نفسه دون مسوغ، وبعد أن قضى على هذا النهج تحققت العدالة نسبيا واستعادت الدولة أموالا طائلة.

أضف إلى ذلك أنك اليوم تجد من لديه ميزانية وربما لا يتعفف عن الاختلاس منها لكنه يخاف تسليط الأضواء عليه ومعاقبته.

رأيت مؤخرا في جريدة أن المسؤول الفلاني أرسى صفقة بشكل مباشر على قريب له، وقد اكتشف هذا فنشر، وهذا المسؤول سيسقط حتما في أسرع وقت ممكن؛ بينما لم يكن في هذا أي بأس في الماضي، ينشر عشرات المرات دون رادع ولا نكير!

 

الأمن أولا

لحسن: تحدثتم أكثر من مرة عن المقاربة الأمنية. كيف تقيمونها اليوم على المستوى الوطني؟

ذ. إشدو: هناك أمن وأمن. عند مجيء الرئيس محمد ولد عبد العزيز وجماعته لم يكن للجيش وجود إطلاقا! ونحن في مهب الريح، وفي مرمى المطامع من مختلف الجهات، ومنذ انقلاب 10 يوليو ووجودنا غائب عن نصف أرضنا فصار وكرا للمنظمات الإرهابية وللمهربين على اختلاف ما يهربونه (سجائر، مخدرات، أسلحة، بشر.. إلخ) دون أن يكون لنا سلطان عليه!

وحين تطاولوا علينا مرة تصدت لهم فئة محدودة من جيشنا فأودوا بعشرة منها، فلم توجد أربع سيارات أو خمس تمكن مطاردتهم بها!

أهم نقطة حققها نظام الرئيس محمد ولد عبد العزيز هي بناء جيش وطني قوي، والعرض الأخير يعطي فكرة عن ذلك. وقد سبقته حربنا على الإرهاب خارج حدود البلاد.

ومن الخرافات التي سبق أن أشرت إليها ما أشيع من كوننا "نخوض حربا بالوكالة عن فرنسا".. بينما هي حربنا. لقد قتلنا هنا في انواكشوط! ولولا ما جرى يومئذ لكنا مثل مالي، لكنا الحلقة الضعيفة. لكن بناء جيش قوي محترم والاعتناء بتسييره وتدريبه ورواتبه ومعاشه هو ما جعلنا في وضعية أمنية جيدة. ولعلك تتذكر تدشين مطار لمريه خلال الاحتفالات المخلدة لعيد الاستقلال الماضي. لدينا مطار في تلك المنطقة وهي خاضعة لإشرافنا، ولدينا طائرات وسيارات ودبابات وقوة.

لا ينبغي أن نصاب بالغرور بسبب هذه القوة فنتوقف؛ بل علينا أن نواصل ونعلم أن بقاءنا منوط بوجود جيش قوي. وأما الأمن الداخلي فقد تحقق فيه الكثير أيضا، ولا عبرة بالتهييج والترويع الذي يروجه بعض المعارضين.

لحسن: قبل الانتقال إلى العملية الديمقراطية ما رأيك في القول إن موريتانيا هي من دشن تجربة الربيع العربي؟

ذ. إشدو: هذا رأيي أنا!

 

ربيع.. وربيع

لحسن: وما رأيك بالربيع العربي نفسه؟

ذ. إشدو: هناك ربيعان: فهناك ثورة شعبية قامت في تونس ومصر وفي اليمن إلى حد ما، وتشكل ربيعا عربيا، لأنها شعوب أزاحت حكامها بطريقة سلمية (التظاهر) جعلت الحاكم عاجزا عن الحكم والمحكوم رافضا له. وهذه هي الأزمة الثورية.

هذه الدول الثلاث شهدت ربيعا عربيا فاجأ الاستعمار، لكن قائدة الاستعمار (الولايات المتحدة) بالتعاون مع بعض الدول الاستعمارية – وخاصة فرنسا- سعت لتخريب هذا الربيع بمنع تلك الشعوب من استلام السلطة في بلدانها، وبمحاولة استجلاب قوى أخرى كما حدث في مصر وفي تونس. وحاولت تخريبه بطريقة أخرى؛ هي اختلاط الحابل بالنابل فاصطنعوا ربيعا في ليبيا وفي سوريا، وحاولوا اصطناع ربيع في موريتانيا.

سبق أن كتبت مقالا استاء منه كثير من الناس "لمصلحة من يتواتر هؤلاء على إشعال الفتنة في موريتانيا؟" وقلت فيه إن وضع موريتانيا مختلف عن وضع بقية البلدان؛ فهي أول بلد فتح الباب للتغيير في العالم العربي. وسبق أن قلت لك إن موريتانيا كانت الحلقة الضعيفة في النظام الامبريالي الصهيوني.

وأتذكر – ونحن في المرحلة الانتقالية- أن المصريين وغيرهم من المشارقة كانوا يغبطوننا ويروننا نموذجا.

لا ينبغي أن تؤخذ تجربة الربيع العربي جملة إذن؛ بل ينظر إلى كل بلد حسب وضعيته الخاصة. ومن المؤسف أن قوى التغيير – أو المعارضة- في موريتانيا لم تر هذا، وإنما قالت بوهم الربيع العربي الذي ستصل رياحه إلى موريتانيا، وأنا قلت: "لن تصل رياح الربيع العربي إلى موريتانيا لعدم وجود حاكم بها مستمر في الحكم منذ 20 سنة".

ولسوء حظهم وحسن حظنا كانت سفارة إسرائيل آن ذاك قد ذهبت والعمل جار على إصلاحات يستفيد الشعب منها.

أتعلم - يا أخي- أنه بعد بناء الجيش شيد من البنى التحتية ما لم يسبق تشييده في موريتانيا! لقد عمت الطرق المعبدة البلاد تقريبا؛ خصوصا بين جميع المقاطعات والولايات وفي الأماكن المعزولة.

أعطيك مثالا.. يوجد حارس في أگجوجت، وينال عطلة ثلاثة أيام؛ وهي فترة لم تكن توصله إلى أهله في نواحي امبود. الآن أصبح يسافر في نهاية الدوام على طريق معبد إلى أن يتجاوز امبود عبر طريق سيلبابيكيهيدي، وفي منتصف نفس الليلة يكون مع أهله الذين يبعدون عن الطريق المعبد 20 كلم، وقد أبلغهم بقدومه عبر الهاتف فوجد في انتظاره عربة على الطريق. وهكذا يقضي معهم راحته ثم يعود إلى مقر عمله. لم يكن هذا متصورا من قبل!

إذن ففي عهد الرئيس محمد ولد عبد العزيز أنجزت البنى التحتية من طرق وموانئ، كما ظهرت العناية بهذا الشعب في توفير الماء والكهرباء والصحة والتعليم وأسباب المعاش (دكاكين أمل). وفي نظري أنا الذي سبق أن عشت في انواكشوط وفي انواذيبو فالقضاء على الكبات من أهم ما قيم به في هذا العهد! ث

تصنيف: 

دخول المستخدم