سبق للسيد محمد جميل منصور القيادي البارز في حزب تواصل الإخواني ورئيسه السابق أن اعلن موقفا من الرئاسيات الأخيرة مخالفا تماما لخطابات مرشحي المعارضة، لما دعا إلى الأعتراف بنتائج الانتخابات، مبينا أنها جرت بشكل مقبول على العموم.. والآن ها هو يعيد الكرة.. ويزيد.
لقد فند مرة أخرى مبررات الطعون التي تقدم بها مرشحو المعارضة، فقال في تدوينة نشرها منذ ساعات :
" رغم ما طرحه مرشحو المعارضة ولجانهم الفنية خلال المؤتمرات الصحفية ورغم أهمية بعضه ( بعض المقارنات والدلالات في مكاتب التصويت المكتمل ) فإنه لم يرق إلى الطعن في النتيجة الكلية والمصداقية العامة للإنتخابات (...) لم تكن الأحكام العامة والمطلقة التي أطلقها مرشحو المعارضة والأحزاب الداعمة لهم حول الانتخابات مقنعة ولم تأت التفاصيل اللاحقة حول الخروقات لتعكس هذه الأحكام بذلك الإطلاق(...) صحيح أن الملاحظات المتعلقة بعدم تكافؤ الفرص وبتوظيف معنى الدولة وبتغييب المعارضة من لجنة الإنتخابات وغيرها واردة ولكنها كانت معروفة وقبل الجميع المشاركة رغمها فلم تعد تصلح لرفض النتائج التي تفرزها فنيا صناديق الاقتراع."
ثم دحض بعد ذلك في نفس التدوينة وبقوة حجج حلفائه في المعارضة الداعية إلى "حوار سياسي وطني" بوصفه الأداة الناجعة لمواجهة الموقف حسب رأيهم، فكتب :
" يلفت الانتباه في الخطاب المذكور الاستعداد للحوار وللإسهام في إخراج البلد من أزمتها ويلفت الانتباه كذلك اختيار مصطلح الرفض في التعاطي مع نتائج الانتخابات وتفضيله على لغة الاعتراف أوعدمه وعلى كل لم ير كثيرون في الجمع بين الرفض والدعوة للحوار أمرا موفقا ، فالانتخابات إما مزورة فلا يصلح الحوار مبررا لقبولها وإما مقبولة فلا يصلح ربط الاعتراف بها بحوار أو غيره ، الحوار لازم وضروري ولكن حول أوضاع البلد والمستقبل السياسي وما يتطلبه أما الانتخابات فالأنسب والأصح أن نجعل طي ملفها والاعتراف بمخرجاتها مدخلا للحوار المطلوب والتطبيع السياسي المرغوب."
ورغم الخلاف العميق الذي ابداه جميل منصور مع مرشحي المعارضة ومع من يدورون في فلكهم حول موضوع نتائج الانتخابات الرئاسية وسيرها وتبعاتها السياسية، فإنه سهر على على أن يخاطب الجميع بوصفه صديقا وحليفا يشاطرهم هموما ومواقف مشتركة. فمال إليهم شيئا ما فيما يعني تصدي السلطات لعمليات الشغب والمظاهرات غير المرخصة التي عقبت اعلان النتائج. كما أنه طالب باطلاق سراح الزعيم الإخواني والصحفي ولد الوديعة واعتبره "مخطوفا" على حد قوله وقول انصار ولد الوديعة.
بالإضافة إلى توافقه في الراي معهم حول هاتين النقطتين، فإنه أيضا استخدم حول المسائل الخلافية اسلوبا لينا يبتعد عن الصراع . لكن، إنْ مرشحو المعارضة لم يستمعوا له- كما يظهر حتى الآن من اصرارهم على موقفهم المتشدد- ألا يُخشى أن يتخذ خطاب جميل منصور نبرة مغايرة تماما: أن يتحول موقفه من قومه من منطق "النصح" إلى منطق "النطح"، مثلما كان هو نفسه يبرر تكتيكات المد والجزر في علاقة حزب تواصل مع النظام حين كان يقود الحزب.
وأيا كانت التطورات اللاحقة في رؤيته للوضع، فإنه برهن أن لديه حنكىة سياسية جديرة بالإحترام والتقدير. ومن الواضح ان هذه الانتخابات تعطيه فرصة لتوظيفها وفقا لما تقتضيه الخريطة السياسة الجديدة وما ينجم عنها من إعادة في ترتيب الأوراق من طرف الفاعلين السياسيينن سواء على المستوى الفردي او الجماعي. ولا شك انه بالنسبة له ولاطياف اخرى واسعة من المعارضة، فإن قضية التموقع من الرئيس المنتخب الجديد ستكون محورية، بل ربما حاسمة في مصيرهم السياسي.
وكما اشرنا إلى ذلك سابقا، فمن المستبعد أن يتخذ جميل موقفا معاديا صريحا من الرئيس محمد ولد الغزواني؛ بل على العكس: إما معه أو مسايرا له بطريقة أو بأخرى.. حتى لا يشذ عن قومه الكثيرين من قيادات وأطر تواصل ومن غيرهم من اطياف العارضة المختلفة الذين انضموا لولد الغزواني.
(انظر : "هل سيلتحق جميل منصور بالتيار الغزواني.. أم سيسير في طريق موازي؟")
وفي هذا المضمار، فقد حدثني أحد العارفين بالشأن السياسي في البلد. وقال، متوقعا ومبررا انضمام جميل بشكل او بآخر إلى الحراك الغزواني: " يَلُّو كنت افْبلُّو ما نبْگ عن الناس" (لو كنت مكانه لما بقيت عن الناس).
البخاري محمد مؤمل (اليعقوبي)
-----------------------------------------
النص الكامل لتدزينة جميل منصور
"تابعت جانبا كبيرا من التجاذبات والنقاشات حول الانتخابات الرئاسية ونتائجها ومواقف مختلف الأطراف منها ورأيت أن أسجل بعض الملاحظات التي تكمل ما كنت طرحته في تدوينة كتبتها بعد إعلان لجنة الانتخابات للنتائج المؤقتة بقليل :
1 - لقد كانت هذه الانتخابات مهمة في معناها السياسي العام وهو تكريس التداول السلمي على السلطة في أهم موقع في نظام زائد الرئاسية ، للبعض أن يقول إن التداول لا يأخذ معناه الكامل إلا إذا كان من نظام إلى نظام ومن ضفة إلى أخرى وفي ذلك بعض الحق ، ولكن التداول من رئيس إلى رئيس مهم بدوره ففضلا عن احترام الدستور وجعل تغييره بالغ الصعوبة تفكيرا فيه أو إقداما عليه في المستقبل فإن الرئيس الجديد قادر على إعطاء هذا التداول مضمونا أقوى وعمقا أبعد.
2 - رغم ما طرحه مرشحو المعارضة ولجانهم الفنية خلال المؤتمرات الصحفية ورغم أهمية بعضه ( بعض المقارنات والدلالات في مكاتب التصويت المكتمل ) فإنه لم يرق إلى الطعن في النتيجة الكلية والمصداقية العامة للإنتخابات ، صحيح أن الملاحظات المتعلقة بعدم تكافؤ الفرص وبتوظيف معنى الدولة وبتغييب المعارضة من لجنة الإنتخابات وغيرها واردة ولكنها كانت معروفة وقبل الجميع المشاركة رغمها فلم تعد تصلح لرفض النتائج التي تفرزها فنيا صناديق الاقتراع.
3 - كان سلوك السلطات مع الأحداث التي أعقبت الانتخابات والتي عرفت انحرافات وفوضى لا يستطيع أحد تبريرها مبالغا فيه وأدى إلى تأزيم وتوترات ورافقه انتهاك صارخ للحريات والحقوق اعتداء على المقرات واعتقالا للسياسيين والإعلاميين ( مازال وديعة معتقلا أو بالأحرى مختطفا دون تهمة مع منع أي تواصل معه ) وتساءل كثيرون عن سر هذا التضخيم وتلك المبالغة ولم يجدوا في العامل الأمني سببا كافيا لها.
4 - لم تكن الأحكام العامة والمطلقة التي أطلقها مرشحو المعارضة والأحزاب الداعمة لهم حول الانتخابات مقنعة ولم تأت التفاصيل اللاحقة حول الخروقات لتعكس هذه الأحكام بذلك الإطلاق ، يلفت الانتباه في الخطاب المذكور الاستعداد للحوار وللإسهام في إخراج البلد من أزمتها ويلفت الانتباه كذلك اختيار مصطلح الرفض في التعاطي مع نتائج الانتخابات وتفضيله على لغة الاعتراف أوعدمه وعلى كل لم ير كثيرون في الجمع بين الرفض والدعوة للحوار أمرا موفقا ، فالانتخابات إما مزورة فلا يصلح الحوار مبررا لقبولها وإما مقبولة فلا يصلح ربط الاعتراف بها بحوار أو غيره ، الحوار لازم وضروري ولكن حول أوضاع البلد والمستقبل السياسي وما يتطلبه أما الانتخابات فالأنسب والأصح أن نجعل طي ملفها والاعتراف بمخرجاتها مدخلا للحوار المطلوب والتطبيع السياسي المرغوب.
5 - مرة أخرى الوضع سنة 2019 يختلف عن الوضع سنة 1992 ، والسياق السياسي مختلف وحجم الأمل متباين ولا ضرورة في تكرار موقف ومسار حتى في التجربة الماضية سلامته ليست محل اتفاق بل إن التقويم بحساب السياسة والديمقراطية قد لا يخدمه.
الحرية لوديعة."
تصنيف: