مظهر لائق، لغة سلسة، طاقات خطابية هائلة، حنكة سياسية كبيرة... صفات محمد جميل منصور- الرئيس السابق لحزب تواصل- وخصاله كزعيم رأي وكفاعل سياسي جذاب من الصعب حصرها بدقة أو الوقوف عليها تماما.. الشيء الأكيد أن للرجل قدرة فائقة على المناورة واحتلال مكانة يحسد عليها في المشهد السياسي.. ففضلا عن كونه حائزا على كنز كبير من الاحترام في صفوف النخب السياسية والثقافية في البلد، فهو بارع عندما يتعلق الأمر بشق طريق بين حركة الأمواج السياسية وتياراتها المتضاربة تارة والمتداخلة تارة أخرى.
خرجاته الإعلامية في الآونة الأخيرة وحتى سكوته أحيانا توحي بأنه ينتهج طريقا مرنا يبدو معتدلا قوامه الابتعاد عن المعارضة المتشددة وعن الموالاة المتشددة.. أو ربما عن المعارضة بشكل عام – حسب قراءة آخرين. إذ قد يرى البعض أنه دخل في بداية مسلسل سياسي تدريجي يريد من ورائه التقرب من النظام والرئيس الجديد محمد ولد الشيخ الغزواني. وهي نفس التهمة التي وجهها خصوم المصطفى ولد بدر الدين له في حزب اتحاد قوى التقدم لما انتقد وعارض بشدة ترشح رئيس حزبه محمد ولد مولود وحمله مسؤولية "فشلهم الذريع" في الرئاسيات الأخيرة. بينما لم يتعرض جميل لحد الساعة – حسب علمنا- لهجوم أو نقد صريح من طرف زملائه في تواصل. حتى وإن كنا نعتقد أن اخفاء صراعاتهم لن يدوم طويلا.
صحيح أن الرجلين يتمايزان كثيرا، ليس فقط لكونهما ينتميان إلى جيلين متباينين، فحسب، وإنما أيضا من حيث تطور محيطيهما السياسيين والفكريين. حركة الإخوان المسلمين التي تشكل الرافد الإيديولوجي الرئيسي المؤسس لثقافة جميل منصور ورؤاه السياسية، فرغم فتور تشهده منذ فترة، فإنها تطورت وانتشرت بقوة عبر العالم في العشريتين أو الثلاثة الأخيرة بسرعة فائقة.. وفي نفس الوقت، كانت الحركات اليسارية وفكرها في اندثار متين. وترك تراجعها الشديد أثرا قويا على حزب ولد بدر الدين.
جميل بين مرونة وقدرة على التكيف والتعامل مع الأوضاع والأنظمة حسب ما يتطلبه ميزان القوة الظرفي وما تمليه عليه طموحاته كزعيم سياسي شاب يتحين الفرص لتحقيق أحلامه الشخصية. أما ولد بدر الدين أطال الله عمره، فبسبب تقدمه نسبيا في السن واكراهاته الصحية، فإن أولوياته قد تكون من نوع آخر: الراحة والعزوف عن الجهود المضنية.
ولا شك أن مواقف الزعيمين ووضعيهما على تباينها تنذر بعمق الأزمة وشدة التشققات داخل المعارضة. كيف سيتعامل الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني معهما ومع الوضع السياسي بشكل عام؟
لقد قدم إجابة عامة.. مفادها أنه سيعمل على أن تكون المعارضة بناءة وعلى أنه سيطور قنوات الاتصال والتشاور معها. أما فيما يعني الأشخاص المنشقين عنها أو المتميزين بالاعتدال في أوساطها، فمن المعقول أن يجدوا لديه آذانا صاغية خاصة. إلا أننا، وكما عرفنا ولد الغزواني خلال مساره العسكري، فإننا نستبعد أن يسلك مع مخالفيه الرأي نهجا مبنيا على إغراء أو استعادة (récupération) المعارضين. بل سيحترمهم ويستمع إليهم بكل ما منَّ الله به عليه من قوة إصغاء. هل سيبلغ ذلك درجة تعيين بعضهم في الحكومة؟ وهل سيكون جميل منصور من بين المحظوظين؟ ولِمَ لا!.
البخاري محمد مؤمل (اليعقوبي)
تصنيف: