النفوس تواقة لمن يحدثها عن المستقبل، لا من يحدثها عن أمجاد الماضي ولو كان عظيماً. من فوائد الماضي أنه يملي عليك ما يجب أن تفعله في المستقبل، ولكن خذ منه طاقة للحاضر ...و عبرة لكل أوقاتك.. ودع عنك البكاء على الأطلال.
صحيح أن أمة لا ماضي لها لا حاضر حيا يبني أهله قواعد المستقبل. و لكن صحيح بالمقابل أنه يجب استثمار هذا الماضي بعد غربلته بشجاعة تنقية بما تتطلبه النزاهة الفكرية و الرصانة العلمية من الشوائب المشينة و العوالق الطفيلية لفائدة حراك الحاضر بوقود التغيير و المستقبل بإجازات الحاضر، عملية حسابية بسيطة بمنطق ثنائية الصفر و الفرد.
و إذ الأمر كذلك فلماذا كل هذا الحرص الذي يلامس الهوس و الإصرار المرضي التوحدي الذي يسد أفق المستقبل على إظهار و تقديم موريتانيا في القرن الواحد و العشرين ولضرورة انتماء مفروغ منه عند العرب و غيرهم، إلى العروبة و في صورة أصبحت نمطية متعمدة للزوار و الباحثين و السياح على أنها فقط:
· خيام من الشعر و الوبر تركب ثم تطوى لتركب قبل أن تطوى في مكان آخر أوفر ماء و أكثر كلأ في كل أرجو باديتها المترامية الأطراف،
· و شعر أشبه في بنيته و لغة مفرداته ومقاصده بشعر الصعاليك يصف المروءة و لا يأتيها و الغزل و لا يلبي مستصرخاته، و الشجاعة لا تتجاوز استلال السيوف الوهمية من أغمادها الخيالية في عصر الصواريخ الذكية التي تهبط على حين غرة فلا تبقي و لا تذر، و الشعر الحديث بلغة و مضامين العصر يصنع الإنسان الواعي بدوره الجديد و يشارك برسالته في نهضة بلده
· و محاضر يدرس مرتادوها على ألسنة نار الأخشاب و يحفظوا عن ظهر قلب نصوص المتون التي تقادم عليه الزمن و تبدلت حاجات البشر في انفصام عن مدارك أصحابها آنذاك فكان لزاما و لا بد من تحيين التأويل لملاءمته التغيير الحاصل علما بأن شريعة الإسلام تحمل لذلك في لبها مضامين التحولات عبر العصور و الحقب،
· أليس حريا بأهل موريتانيا يظهروها بوجه الحداثة الذي لبست من وشيه كل معلم و قد مضى على استقلالها أزيد من نصف قرن و انتمائها قلبا و قالبا إلى جامعة الدول العربية منذ ثلاثة و أرعين عاما و من قبل إلى الأمم المتحدة، و هي عضو في عديد المنظمات الاقليمية و القارية و الدولية، أن لا يسرفوا في الرتابة الماضوية المقيدة في الأوهام عن صنع المصير بمتطلبات الواقع.
أوليس من واجبهم بهذا أن يقدموا للباحث و المهتم و السائح و المستثمر العربي و الأجنبي ما قد حصل حتى في تواضعه من أوجه التحول المضمخة بالحداثة و التي تسعى إلى الارتقاء بالبلد إلى مقاصد العصر، و حتى يثق جميع هؤلاء في صحة المنطلق وصدق التعاون و جدوائية التبادل و التكامل. وليس بعيدا في هذا المنحى على التراث و مثله التاريخ و الصناعة التقليدية و الفلكلور أن يلعبوا دورا بارزا في صناعة الثقافة و تسويق البلد في الفضاءات العربية و القارية و الدولية.
و بالطبع ليست موريتايا في انتماءاتها لفضاءات مختلفة مقصدا و محط اهتمام بالغ إلا لأنها تستطيع، بغض النظر عن انتماءاتها للمجموعات الإنسانية العربية و الأفريقية، أن تسهم في كل الحراكات التنموية الإقليمية و العربية و الدولية بثرواتها الطبيعة المتنوعة و مقدراتها الاقتصادية الهائلة و موقعها الجيو سياسي من خلال إطلالة أطلسية استراتيجية على الغرب، وامتدادها البري إلى آسيا، و بنهرها المعطاء و معالمها الصحراوية الأخاذة بواحاتها و تضاريسها و مدنها القديمة ذات الطراز المعماري الفريد و محتوياتها من الكنوز التراثية العلمية الثمينة العتيقة.
الولي ولد سيدي هيبه
تصنيف: