لحسن: السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته؛
(...)
ذ. إشدو: أهلا وسهلا بك وبالمشاهدين الكرام.
لحسن: وصلنا في الحلقة الماضية إلى حقبة مهمة من التاريخ السياسي الموريتاني هي الأخرى، لما لها من دور في رسم الخريطة السياسية للبلاد؛ وهي حقبة الرئيس الأسبق محمد خونا ولد هيداله. دعني بداية أسألك، وربما السؤال هنا من موقعكم أنتم في الحركة الوطنية الديمقراطية وفي حزب الكادحين حينها، من هذا الموقع نسألك عن اليسار الموريتاني، وخاصة ما ورد في مذكرات الرئيس محمد خونا ولد هيداله من أن العلاقة توطدت باليسار الوطني حينها وأنه دعمه في الكثير من سياساته. ما حقيقة ذلك الدعم، وهل كان اليسار الموريتاني فعلا قريبا من نظام ولد هيداله، أم أن الأمر لا يعدو أشخاصا ربما سرقوا حلم الكادحين وحاولوا الاقتراب من النظام؟
ذ. إشدو: بسم الله الرحمن الرحيم
هذه الفترة التي تسأل عنها أستطيع تسميتها بالفصل الثالث من العاشر من يوليو. من سلسلة الخلافات التي كان موقفي منها معروفا من البداية، وقلت إنها
لجنة بعد لجنة بعد أخرى نخرتنا.. طبيعة وكيانا!
الفصل الأول كان فصل العاشر من يوليو الذي برز فيه الرئيس المصطفى وجدو رحمهما الله، وسائر تلك الجماعة.
الفصل الثاني هو 6 إبريل الذي تحدثنا عنه فقلنا إنه مجموعة خارجة عن العاشر من يوليو لم تكن في الانقلاب، تحالفت مع مجموعة من أهل العاشر من يوليو ضد مجموعة ثانية منهم، لكن 6 إبريل كانت له رسالة وأهداف، فلم يطل أمده للأسف، وقد طوي تقريبا بسقوط الطائرة ووفاة الرئيس أحمد ولد بسيف رحمه الله.
بعد ذلك جاء الفصل الثالث، وكانت بدايته يوم 31 من مايو 1979. في هذا اليوم اجتمعت اللجنة العسكرية للخلاص الوطني (الأولى كانت "للإنقاذ" وهذه "للخلاص") في زمن الرئيس محمد خونا، الخلاص من الإنقاذ.
اجتمعت إذن، ويبدو أنها كانت على دراية بما ستفعله، ومن ضمنه ما حدثَنا عنه الرئيس محمد خونا من أن هذه الجماعة التي يسميها هو جماعة العاشر من يوليو وأصحاب مشروع العاشر من يوليو وحماة مشروع العاشر من يوليو الذين قال إنهم رشحوا قائد الأركان يومها أحمدو ولد عبد الله، لكن هذا لم يرغب في ذلك ورأى أنه "إحراق له" فرشحوه هو (الرئيس محمد خونا ولد هيداله) وإنه قبل تولي السلطة على مضض أو لم يكن شديد الرغبة فيها على الأقل، لكن أصدقاءه أقنعوه بها كما قال.
من هم أولئك الأصدقاء؟ وما هو مداهم؟ يذكر الرجل بعضهم، لكني أظنهم أوسع مما ذكر.
هيداله رئيسا
المهم أن الرئيس محمد خونا ولد هيداله ابتداء من هذا اليوم أمسك زمام السلطة كرئيس وزراء، ويبدو أن هذا الإجراء كان جاهزا. وهناك أمر آخر كان جاهزا وقال إنهم لم يبلغوا به الرئيس المصطفى، هو أنهم كانوا مصرين أيضا على تنحية الرئيس المصطفى وحلفائه. وقد فعلوا ذلك بعد أيام.
وبالتالي قامت بهذا العمل جماعة من أهل العاشر من يوليو ضد جماعة الرئيس أحمد ولد بسيف ومحمد ولد ابه ولد عبد القادر رحمة الله عليهما، اللذين لم يكونا من جماعة انقلاب يوليو وقادا حركة السادس من إبريل، وضد الجناح الثاني للعاشر من يوليو؛ أي الرئيس المصطفى ومن بقي من أنصاره.
إذن أحد جناحي العاشر من يوليو تغلب على جماعة السادس من إبريل، وعلى الجناح الآخر للعاشر من يوليو فأزاحهما وأخذ الحكم.
لحسن: انفرد بالسلطة.
ذ. إشدو: نعم. وأرى شخصيا بكل بساطة أن هذا الجناح الذي تغلب في 31 مايو 1979 كان جناح بوليزاريو وحلفائها. وهذا جلي، وأقوله دائما، وهو ما اتضح للشعب الموريتاني لأنه ورد التعبير عنه كثيرا. وقد تجلى هذا في السياسات التي انتهجها، وسنصل إليها.
ما هي علاقة الكادحين بهذا كله؟ كما قلت سابقا فإن حزب الكادحين – وهو الذي يقود الحركة الوطنية الديمقراطية- بقيادته المعروفة وبتاريخه، شكل جبهة مع الرئيس المختار، ودخل في حزب الشعب، وحين شبت الحرب عارضها ولكنه حافظ على الوحدة الوطنية فكان موقفه "نعم للوحدة الوطنية، لا للحرب" كما أسلفت القول. وعلم قادته بالانقلاب طبعا قبل وقوعه بمدة فرفضوه وظلوا على رفضه. هذا هو الموقف الرسمي للكادحين.
في عهد 6 إبريل استحسنوا مواقف الرئيس أحمد رحمه الله، وكان لهم بعض العلاقات (وأظنها محدودة، لكونها عن طريقي أنا) مع محمد ولد ابه ولد عبد القادر رحمه الله، ولهم علاقة مع جدو قبل ذلك. واقتصر موقفهم الذي يدعون إليه هذه الجماعة على أمرين:
- عدم الانجرار وراء تصفية الحسابات أو التفريط في الوحدة الوطنية.
- عدم الانهزامية في حرب الصحراء، بحيث لا ينبغي قبول صلح إلا أن يكون شاملا ينهي كل تبعات الحرب وآثارها، دون تفريط في التضحيات؛ فلا يجوز أن نصوم سنة ونفطر على جرادة كما يقول المثل.
هذا كان الموقف الرسمي العام، لكني لا أدري مواقف الأفراد، فربما كانت لبعضهم مواقف خاصة بأصحابها، ولا أعلم إلا ما رأيته مكتوبا في مذكرات الرئيس محمد خونا ولد هيداله، وسأقرؤه لكم.
عند ذكره للذين التحقوا بـ amdأو بالعقيد محمد ولد ابه ولد عبد القادر، يذكر المصطفى ولد اعبيد الرحمن فيقول: "وهو أحد قادة الكادحين" ويقول إن مالكيف ولد الحسن انضم إليهم، كما انضم إليهم العقيد الأمير أحمد سالم ولد سيدي، وإن السبب قد يكون غضبه من إحالته إياه على التقاعد. ولا أدري هل كانت إحالة شخصية كأحمد سالم إلى التقاعد في تلك الفترة قرارا مرنا أو حصيفا!
إذن يقول إنه انضم إليهم لذلك السبب مضيفا: "وقد جر معه مالكيف ولد الحسن، كما لحق بهما المصطفى ولد اعبيد الرحمن الذي كان مديرا لسوكوجيم، ومحمد عبد الرحمن ولد امين".. ويعطي السيد الرئيس تفسيرات على هذا النحو لانضمام كل هؤلاء.
يقول هنا أيضا ما يلي: "ومن الواضح أن غالبية الشخصيات المدنية التي انضمت إلى كادير كانت من الميثاقيين الذين ربما ساءهم حضور خصومهم في الحركة الوطنية الديمقراطية (الجناح الآخر للكادحين) في السلطة في ذلك الوقت".
أولا ليس كل هذه الشخصيات ميثاقيين، وإن كان بعضهم كذلك، كالمصطفى ولد اعبيد الرحمن، ومالكيف ولد الحسن، وهما من قادة الحزب والحركة الوطنية الديمقراطية؛ خلافا لمحمد عبد الرحمن ولد امين ومحمد ولد الشيخ ولد جدو، فليسا من الحزب ولا الحركة الوطنية الديمقراطية كما يقضي به التعميم.
ثانيا السبب "ساءهم حضور خصومهم في الحركة الوطنية الديمقراطية (الجناح الآخر للكادحين) في السلطة في ذلك الوقت".
إن ما أعرفه أن تلك العناصر المنشقة من حزب الكادحين ومن الحركة الوطنية الديمقراطية، وهم أقلية لا تمثل الحزب ولا الحركة، كانوا قد ساندو الانقلاب على المختار، وساندوا نظام ولد هيداله وأيدوه، وساندوا بوليزاريو وأيدوها، ولكن ما لم أكن أعلمه قبل الرئيس أنهم كانوا في السلطة في ذلك الوقت.
لحسن: هذا ربما يجرنا إلى سؤال مهم، وهو عن الشخصيات التي تمثل حينها اليسار الموريتاني فعلا، وخاصة الحركة الوطنية الديمقراطية. نشاهد اليوم كثيرا ممن يرفعون شعار اليسار الموريتاني، بما في ذلك بعض الأحزاب، ومن أبرزها حزب اتحاد قوى التقدم (ufp) هل هذا الحزب بقياداته الحالية يمثل اليسار الموريتاني الذي ناضل حينها في صفوف الكادحين؟
ذ. إشدو: هذا السؤال لا أستطيع الإجابة عنه وإنما المواطن هو من ينبغي أن يجيب عنه وكذلك قادة الحزب والواقع؛ هل هو من يمثل اليسار أم لا؟ إذا كان السؤال هل يمثل الكادحين آن ذاك فالمؤكد أنه لا يمثلهم، وإنما تمثلهم قيادتهم التاريخية المعروفة التي وقفت ضد الانقلاب.
لحسن: لم يكن له جزء من نضال الكادحين؟
ذ. إشدو: فيه شخصيات كانت في الكادحين، لكن قادة حزب الكادحين لم يشاركوا في الانقلاب؛ بل كانوا ضده بجميع فصوله، وخاصة هذا الفصل بالذات.
تصنيف: