بمناسبة كل زيارة رسمية لرئيس موريتاني أو لفاعل سياسي أو زعيم متميز لإحدى المدن الداخلية تبرز أهداف متباينة.. وتنكشف مصالح أنانية شتى.. وتقوم الدنيا ولا تقعد. فالحزب المعني أو الهيأة ـ حاكما كان أم معارضا ـ يضع هدف نجاح الزيارة الذي يقيسه بعدد المصفقين والطبالين فوق كل شيء. وله في ذلك مآربه الخاصة ووسائله الضرورية من رجاله المخلصين من" لحلالة" ومزمرين وصحافة مأجورة.
وايبرز جليا أن الهدف من وراء هذه المراوغات كلها، ومفارقتاها ما ظهر منها وما بطن، هو بقاء تلك الشخصية المتميزة الزائرة في محل الصدارة وجعلها متشبثة بالسلطة في أعلى هرم ممكن من الحكم، وذلك مهما كان نوع السلطة المعنية : سياسية، اقتصادية، دينيية، من الموالاة أو من المعارضة... وقد لا يدرك المواطن الضحية خفايا اللعبة رغم كونها صارت تضم اعدادا متزايدة من الانتهازيين تطول طوابيرهم كلما ارتفع مركز السلطة الزائرة.. وكلما عظم نفوذها في الهرم السياسي والاجتماعي في البلد: رئيس الدولة، وزير، رئيس حزب مؤثر، شخصية دينية كبيرة، رجل أعمال ثري... .
وصار من المسلم به أن اللعبة تشمل الجميع؛ فكل انتهازي لابد له أن يجد ضالته ويستفيد من ذاك الحضور الرسمي لأركان الدولة أو لفاعلين نافذين آخرين.
وبفعل طبيعتها.. وكثافة نشاطها.. واتساع رقعة انتشارها، فإن الدولة عندنا ومنذ نشأتها هي دائما القوة الجذابة الأولى بلا منازع لهؤلاء الذين يوصفون باللحلاحة.
فالظاهرة تطورت وهي في طريقها لتصبح مهنة يتمايز ممارسوها حسب فضاءات عملهم السياسية أو الاجتماعية. فصار من الجدير تأسيس المفهوم أو على الأقل محاولة الوقوف على مدلوله.
"اللحلاحة" حسب ما هو شائع في الناس كلمة تطلق على من يحمل لسانا طويلا لا يتحرك إلا بأشنع العبارات وأقلها أدبا وأكثرها تأثيرا في السامع وتحريكا لمشاعره بما يحقق هدف" اللحلاح". وغالبا لا يتحرك لسان "اللحلاح " إلا عيبا لسامعه أو شكرا له تبعا لقاموس لغوي خاص لا يحمل في ثناياه غير عبارات كثيرة الإطراء أو كثيرة الإزراء .
أما طموح" اللحلاح" بالوصول للقادة في الدولة و في غيرها ت خاصة من الهيئات السياسية يمر بحضور ضروري لكل المهرجانات ومحاولة الظهور فيها والتقرب ولو بهمسة لأحد القادة بعبارات تمس مشاعره الجياشه حتى "يمس جيبه" ولو بالقليل من ما أفاء الله عليه به من المال العام ويمر ذلك بصراع طويل بين اللحلاحة على فرض الوجود.
فمثلا وخلال وجونا في النعمة لتغطية زيارة الرئيس الأخيرة لتلك المدينة قال لي احد المواطنين يتحدث عن احد "لحلالة" الدولة: فلان ذلك "اللحلاح" صنعه الوالي الفلاني في احد مهرجانات المدن القديمة حيث كان هذا "اللحلال" يرقص على المسرح في أمسية ثقافية فأخذ المكروفون وقال: "وخيرت بالوالي معدلو". فلم يعطه الوالي شيئا فقال: "يللالي معدل العمده". فأعطته زوجة العمدة مبلغا فأخذ يعيب على الوالي فجاءه احد رجال الوالي وادخل في جيبه مبلغ خمسين ألف اوقيه فقال "اللحلاح": "اللا خمسين"؛ غير أنه أصبح من" لحلاحته" المقربين . وهكذا نجح ذلك "اللحلاح" في الوصول لمبتغاة في المناسبات الرسمية . وحسب المتتبعين لزيارات الرئيس فإن بند وجود "اللحلاحة" فيها أصبح أمرا مفروغ منه , فهناك في مقر الحزب في النعمة هذه الأيام صفوف اللحلاحة وهم في صراع على الدخول داخل المبنى للظرف بضالتهم وهي جيوب رجال الحزب وقادته وما قد يوزعون من مال خاص كان أم مال عام؛ وبصورة خاصة فإن الكثير من القائمين على المال العام يسخرونه لمثل هذا النوع من المناسبات بشهادة بعض "اللحلاحة" أنفسهم.
وقد يتساءل البعض: اخلاقيا ما هو دور" اللحلال" أوما هي شرعية الخدمة التي يقدمها ؟ . فهنالك تعاقد ضمني غير مكتوب مفاده أن "اللحلاح" بكلماته وحركاته و "تلحليحه" يقدم للمواطن مادة شيقة تدفعه لحضور تلك المهرجانات التي سيجد فيها ما يجعله يقضي وقتا ممتعا يدخل السرور على نفسه.
وحينئذ يظهر أن الحزب أو الهيئة المعنية يمتلك شعبية, حتى منظمو التظاهرة أنفسهم وقادتها قد يجدون أيضا ما يدخل ذلك السرور إلى قلوبهم فيما يقدمه" اللحلاح" من سخرية من بعض الناس أو شكر لهم هم أنفسهم .
. فمتى سيستغني الفاعلون عندنا ـ في الدولة وغيرها ـ عن "لحلاحتهم" وطباليهم مكتفين بزيارات سليمة من الناحية الأخلاقية ـ شكلا ومضمونا ـ لا تبتغي التصفيق ولا تقتصر على مسرحيات تروج لهذا الزعيم أو ذاك؟ ألا ينبغي أن يُنظر إلى هذه الظاهرة المقيتة من زاوية محاربة الفساد وأن يتم التعامل معها على ذلك الأساس؟.
أحمد حبيب/ موريتانيا المعلومة
تصنيف:
