لحسن: ماذا بخصوص ما تحدث عنه البعض من أن الرئيس المختار ولد داداه كان يفكر فعلا في إنهاء حرب الصحراء قبل الانقلاب عليه؟
ذ. إشدو: أحسنت إذ ذكرتني بهذا الموضوع الذي سبق أن قلت فيه شيئا ثم وجدت تصحيحا له.
هذا كان مشروعا عكف الكادحون عليه آن ذاك، وكان المشرف على العلاقات مع البوليزاريو هو السيد الطالب محمد ولد لمرابط، وهو من حدثني بهذا، كما أنه أحد قادة الكادحين، ومن الوفد الذي سبق ذكره (المتفاوض مع البوليزاريو) وكان فترة الانقلاب في فرنسا.
بعد مجيء الولي – رحمة الله عليه- هنا، وحالة الجفاء التي سادت بين الكادحين والبوليساريو ظل الطالب محمد ولد لمرابط – بتوجيه من حزب الكادحين- على صلة بالبوليزاريو، بتنسيق مع المصطفى ولد اعبيد الرحمن، وربما محمد الحسن ولد لبات؛ إما بزيارة بوليزاريو في الجزائر؛ فقد سافر إلى هناك ثلاث مرات كما ذكر لي، وإما بواسطة الأستاذ أحمد بابه ولد أحمد مسكه الذي كان قياديا في البوليزاريو آن ذاك، وكان موجودا بفرنسا.
وقد تم الاتفاق تقريبا على تهدئة الجبهة الموريتانية من طرف البوليزاريو، وأن يضع الموريتانيون ذلك في الاعتبار فيكفوا عن قصف البوليزاريو، على أمل تجدد صلات بين الطرفين تتيح القضاء على المشكلة من أصلها.
ويرى الطالب محمد أن الانقلاب جاء مفاجئا؛ لا للموريتانيين فقط، وإنما لبعض عناصر البوليزاريو أيضا. أنا شخصيا لا أرى ذلك، وإنما أرى أنهم كانوا وراءه.
الاتفاق المهين
لحسن: إذن نأتي إلى حركة 6 إبريل ومسار هذا الحدث، وكيف وقع؟
ذ. إشدو: نعم.. قبل الوصول إلى 6 إبريل أود القول إن انقلاب 1978 خلف انهيارا على مختلف الجبهات؛ فمثلا على الجبهة العسكرية نجم عنه الاستسلام والتفريط في تضحيات الجيش والشعب الموريتانيين خلال سنوات الحرب الثلاث، والخروج من وادي الذهب على نحو مذل، لم يكن في إطار صلح شامل يحفظ لنا ماء وجوهنا، وأكثر من ذلك عجزنا عن تضمين الاتفاق الموقع في الجزائر بندا يقضي بالإفراج عن أسرانا لدى البوليزاريو؛ الذين أمضوا سنوات بعد ذلك في أقسى أنواع المهانة والسخرة والتعذيب.
لحسن: لم يكن اتفاقا بقدر ما كان إهانة.
ذ. إشدو: نعم. إذن فعلى الجبهة العسكرية كان انهيارا.
على الجبهة السياسية كرس التبعية لذلك المعسكر. وسبق أن قلت إني أرى سلامة موريتانيا في حيادها وعدم تبعيتها لأي من الشقيقين المتنافسين (إن لم نقل: المتناحرين).
الانقلاب كرس التبعية لتلك الجهة. ومن الغريب أني رأيت في مذكرات أحد قادة موريتانيا في تلك الفترة قوله إنه أرسل وزير الخارجية الموريتاني برسالة إلى رئيس بوليزاريو يشعره فيها بأن أفرادا من إحدى قبائل الصحراء جاؤوا هنا في مسعى مناوئ للبوليزاريو. وفعلا أوفدت البوليزاريو جماعة إلى هنا لاستدراج تلك الجماعة التي كانت ترى نفسها في مأمن، فأسَرتهم واختطفتهم إلى هناك!
لحسن: أي أن النظام الموريتاني حينها أصبح بمثابة طابور خامس للبوليزاريو!
ذ. إشدو: تماما!
على الجبهة الاقتصادية والاجتماعية تم التخلي عن جميع السياسات الاقتصادية والاجتماعية الكبرى، وهو الانقلاب الدائم على مصلحة المجتمع.
جدو ولد السالك
أود أن أضيف شهادة تتعلق بالمرحوم جدو ولد السالك؛ وكان من الشباب القومي وكنت وإياه صديقين وكنت صديقا لعائلته، فقد سبق أن نفيت -في إطار العمل- إلى الولاية الأولى (الحوض الشرقي) فتعرفت على والده رحمه الله، وعلى إخوته أطال الله بقاءهم.
كان شابا قوميا طيبا وثوريا؛ وقد تكون تلك الثورية واعية وقد لا تكون كذلك. وقد دخل الجيش بتوجهه القومي البعثي وكان القوميون كلهم سواء آن ذاك.
دخل الجيش وهو يحمل فكرة الانقلاب، وحين حدث انقلاب العاشر من يوليو كان أحد عناصره الأساسية. وقد لقيته مباشرة، كما لقيت سيد أحمد ولد ابنيجاره أطال الله بقاءه (وكان صديقي أيضا).
زرت المرحوم جدو في وزارة الداخلية وفي منزله عدة مرات، وتجاذبت معه أطراف الحديث. وكانت الإذاعة قد استحدثت غداة الانقلاب برنامجا سمته "جرائم وأغلاط الحكم البائد" ترويجا للانقلاب الذي لم يستقبل بالورود، بل نظر المجتمع الموريتاني إليه بارتياب وحذر، وكان يراه بداية رحلة إلى المجهول.
الشباب الواعي قاطع هذا البرنامج؛ بل إن أصحاب الوعي وذوي الشأن – وهذا أخطر ما وقع- ولت الانقلاب ظهورها. أما الذين صاروا ذوي شأن فوعي أكثرهم ضعيف، وكذلك التزامه واهتمامه بالشأن العام.. إلخ.
ذهبت إلى منزل الرائد جدو - رحمه الله- في شأن شباب اعتقلتهم الشرطة جراء امتناعهم من المشاركة في البرنامج المذكور، فاستقبلني، وحين أخبرته بالأمر قال لي: لقد ولى زمن التعذيب (وسبق ذكر نماذج مما كان يجري من التعذيب) وولى زمن السجون، وما دمت وزيرا للداخلية لن يقع تعذيب ولا اعتقالات، ثم رفع سماعة الهاتف متصلا بالمفوضية وأمرها بإطلاق سراح الشباب، وهو ما تم فورا.
جئته أيضا في مكتبه فقال لي: إن من غير الممكن الحديث في وزارة الداخلية لكثرة المراجعين والزوار، ولكن نحدد الساعة الواحدة موعدا لقضاء وقت المقيل معا.
عدت إليه الواحدة في وزارة الداخلية فخرج إلي من اجتماع كان فيه ودعاني للغداء في فندق صباح وركبت معه في سيارته وذهبنا إلى هناك وبحثنا الوضع.
حزب الكادحين آن ذاك تبنى بعد الانقلاب سياسة تتألف من نقطتين أساسيتين:
أ. عدم تصفية الحساب بين الموريتانيين وعدم التفريط في الوحدة الوطنية الموريتانية؛ سواء أتعلق الأمر بالجهات أم بالقبائل أم بالمكونات.
ب. الحرص على أن لا تخرج موريتانيا من وادي الذهب إلا في إطار صلح شامل ينهي الحرب.
ناقشت معه هاتين النقطتين فالتزم لي أنه ما دام موجودا وفي مركز قيادة فلن يقع مساس بالوحدة الوطنية ولن تخرج موريتانيا من وادي الذهاب إلا في إطار صلح شامل.
بعد الانقلاب بأقل من 10 أشهر تم عزل جدو وجماعته من الحكومة، وبعد أقل من عشرة أشهر لقيته، وكان ذلك بعد فشل 6 إبريل وبعد سقوط طائرة الرئيس والأمير أحمد ولد بسيف، فقال لي: أؤكد لك أن الموجودين في السلطة الآن – يعني الجماعة التي جاءت بعد بسيف رحمة الله عليه- لن يحتفلوا بالعاشر يوليو المقبل وهم في السلطة.
كان – رحمه الله- رجلا، لكنه صرح بهذا – للأسف- في نفس اليوم لشخص غير أمين فنقله! وقد مرض والده رحمه الله، فسافر إليه بالنعمة على متن سيارة لإدارة الأمن، يقودها شرطي، فانقلبت السيارة أو وقع حادث سير، وتوفي هو فورا ولم يصب الشرطي بأذى!
لحسن: وهل أثار الحادث الشكوك؟
ذ. إشدو: أنا شخصيا لم يثر شكا لدي؛ فقد كنت قريبا من اليقين أنه اغتيال. أعتقد أن حادث الطائرة وهذا الحادث كانا مدبرين. قد يكون لقوى خارجية دور فيهما؛ كالليبين الذين كانوا وقتها مساندين بشدة للنظام الجديد وللبوليزاريو، وقد يكون تدبيرا داخليا وقد يجتمع الأمران.
تصنيف: