اعتقالات جديدة

(ضيف و قضية /الحلقة السابعة)

ذ. إشدو : في مطلع سنة 1971 ارتأت النقابات الرافضة لدخول اتحاد لعمال ومن شايعها من الطلاب وتلامذة المدارس إضرابا شاملا، ووقع الإضراب ولم يكن منظموه كثرا ولكن نشاطهم الزائد عوض عن قلتهم العددية، وقد قمعتهم السلطات بقسوة واعتقلت جميع النقابيين تقريبا، وكان النقابي الأبرز في قيادة تلك المرحلة هو النقيب با محمود رحمه الله، ومعه نقابيون منهم المصطفى ولد اعبيد الرحمن، والشاعر أحمدُ ولد عبد القادر، والأستاذ محمد المصطفى ولد بدر الدين، والأستاذ محمدو الناجي، وسي الزين، واباه ولد حمديت رحمه الله، والكثير من النقابيين ربما نسيت بعضهم، والمجال لا يسمح باستقصائهم.

سبقت هذا تحويلات تعسفية طالت العناصر الرافضة للاندماج؛ وخصوصا من البيضان وإن لم يسلم منها بعض الزنوج أيضا. حول الإداري لادجي اتراوري إلى ولاته، وحول كوريرا إسحاق إلى تجگجه، وحول سي ساتيگي وأحد إخوانه بشكل تعسفي. حول بيضان إلى كيهيدي فوجدوا أمامهم آخرين من أمثال سانگوت عثمان ولام همات.. هذه التحويلات التعسفية خلطت النشطاء من مختلف الفئات.

اعتقل با محمود والجماعة المذكورة ونالوا نصيبا من التعذيب والحرمان من النوم في مخافر الدرك، وفي ذلك يقول الشاعر أحمدو ولد عبد القادر قصيدته "ليلة عند الدرك":

قالوا له: ماذا تضيف؟

لا تخف عنا أي شيء

فالنار والكرباج‏

ينتزعان من رأسي السجين‏

ما لا يريد‏ .. إلخ.

هذه القصيدة كتبت بهذه المناسبة.

وقد وجهت تهمة التخريب إلى جميع المعتقلين وحوكموا يوم 18 مايو وحضر محاكمتهم محامون من خارج البلاد إلى جانب محامين موريتانيين، وكان هؤلاء قلة في تلك الفترة، من أمثال الأستاذ أحمد كلي ولد الشيخ سيديا جزاه الله خيرا، فإذا لم يكن المحامي الوحيد بموريتانيا فقد كان المحامي الوحيد الذي وقف مع أولئك المعتقلين. ثم وقف مدافعا عني أنا في الشهر نفسه عند ما اعتقلت.

كانت المحاكمة مشهودة وحضرتها الجماهير وخرجت منها جماعة النقابة ببراءة، وكان يوما عظيما.

لحسن: ما هي التهمة التي وجهت إليهم بالتحديد؟

ذ. إشدو: التجمهر والعصيان المدني وما إلى ذلك مما قد لا أذكره الآن تماما.

نصوص أدبية

في الفترة التي مررنا بها من الضروري ذكر أمرين: نصوص أدبية واكبتها، وبعض الأسماء. في مرحلة توطيد الوحدة الوطنية ومحاربة العنصرية؛ إذ اختلف القوميون العرب بشدة، وبما أن الجماعة الأقرب إلى حركة القوميين العرب كانت الأكثر اندفاعا نحو الانفتاح على غيرها من القوميات وعلى الأفكار الجديدة التي ظهرت آن ذاك، بالمقارنة مع غيرهم من القوميين، وقعت مساجلة في هذا المجال. يقول أحد الجماعة المحافظة في ذلك:

عِسَّكْ من ذي الاَفكارْ العُوجْ
والرجعيين أُذَ مَگرُوجْ
عِسَّكْ يالشعب امْنْ الزُّنُوجْ
 

 

والشيوعيين الّ فَوْج
هَذَ كُلُّ كِيفِتْ لَوْخَرْ
معناها عِسَّكْ مِنْ لِكْوَرْ
 

 

هذا في إطار الحفاظ على الأفكار التي كانت سائدة من قبل. وقد رد عليه أخي الأستاذ محمدْ ولد إشدو رحمه الله بالقول:

أعمر وافَّالْ ألاَّ شخصين
واعذابْ افَّالْ أذَ بَيِّينْ
معذبين أسو فامنين
واعدوهم فيه العنصرين
 

وإلاَ كذبـهم عن ذا حد
يعرفو عنّو كاذب بعد
 

 

مُعَذَّبينْ اعذاب امْتِينْ
سيانِ فيهْ امعاه أعمر
اسو فاخيام اسو فاكصر
خلط البظان امع لكور
 

من ذيك الناس الما تحصر
معناها عنُّو "دفا نر"
 

 

"دفا نر" باللهجة الولفية معناها يكذب. أعمر وفال كناية عن البيضاني والزنجي، إلا أن فال أكثر في ولف من غيرهم.

لديه (رحمه الله) گاف آخر في هذا المجال، وكان أديبا بالفصحى والشعبية ومن الفتيان، وأحد قادة تلك المرحلة. يقول (ولا أريد تسمية أحد):

فكرة ذ الخل
نبغُ لفضل
 

 

المستحسن
منهَ واحسن.
 

 

يعني فكرة قائل ما سبق.

نص ثالث من نصوص تلك الفترة جاء تخليدا لمحاكمة الثامن عشر من مايو للشيخ أحمد ولد محمد فال، وهو أحد قادة تلك المرحلة. يقول:

يَوْمْ أثْمُنْطَعْشْ اخْلِگْ لِگْبَالْ
وِاخْلِگْ لِعْصِيرْ افْتِرْبِنَالْ
بالرِّجْفَ وَأنْواعْ التِّذْبَالْ
بِيهَ مَجْمُوعَ مِنْ لَبْطَالْ
النقابَ گوْمْ النضالْ
 

واعرفْنَ عنْ ذ شِ مَوْثُوقْ
گامِتْ مِنْتَصْرَه يَوْمْ الرَّوْقْ
 

 

بَيْنْ الحكومَ والعُمَّالْ
وانْفَظْحِتْ فَمّْ الحُكُومَ
واطْيَاحْ الْعَيْنْ اُلِقْلُومَ
محبوسَ كانتْ مظلومَ
عن ذي الحقوق المهضومَ
 

الناسْ الْكَانِتْ مَتهومَ
الاَيَّامْ الزَّيْنـه ذُوكُومَ!
 

 

يخلد هذا النص الجميل ذلك اليوم، وقد زاده جمالا أن غناه أحد قادة تلك المرحلة هو النقيب محمد شين ولد محمادو رحمه الله.

 

أسماء لامعة

إنصافا لتلك المراحل وللأجيال التي صنعت موريتانيا فلا بد من ذكر أسماء بعضها، ومن الأسماء التي يجب ذكرها قطعا المرحوم سيدي محمد سميدع، الذي كان بمثابة منسق  لأغلب الأنشطة، والدكتور محمد محمود ولد اماه، وإسماعيل ولد أعمر،  وقد سلف ذكرهما، والأستاذ محمد يحظيه ولد ابريد الليل، والأستاذ حبيب الله ولد عبدو، وجماعة دكار؛ وهم جماعة {صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا} منهم أحمد ولد الزين، وأحمد ولد خباه، رحمة الله عليهما، واعلي ولد ببوط أطال الله بقاءه، وآخرون كثير. وجماعة تولوز، كالمصطفى ولد اعبيد الرحمن، وعبد الله ولد اسماعيل، ويبه ولد الشيخ البناني.. وجماعة المشعل؛ وكانت في فرنسا أيضا: لادجي اتراوري، ودافا بكاري.. وجماعة الداخل من أمثال قادة النقابة الذين سبق ذكرهم. وجماعة المشرق: الدكتور المحجوب ولد بيه، والسالك ولد عبد الله، ومحمد فاضل ولد الداه وأحمد الوافي.. وغيرهم. والطلاب في الجزائر الذين تم تجنيدهم لاحقا كيعقوب جلو (أي يعقوب ولد بله) ومحمذن بابه ولد امين، وإسلمو ولد باباه رحمه الله.. وآخرين. والذين لم أذكرهم أكثر ممن ذكرت، كل هؤلاء ساهموا في النضال من أجل بناء الوطن في تلك الفترة.

لحسن: ذكرتم أن المحامي أحمد كلي ولد الشيخ سيديا دافع عنكم بعد اعتقالكم.. لو حدثتمونا عن ملابسات هذا الاعتقال الذي تعرضتم له من طرف النظام الموريتاني آن ذاك.

ذ. إشدو: البعض اعتقل على أساس الإضراب الذي حدث، والبعض اعتقل على أساس احتفال الفاتح من مايو، لأنهم رفضوا الانضواء تحت لواء اتحاد العمال المفروض من قبل الدولة؛ سواء في تخليد اليوم أم في العمل النقابي. هذه هي الأسباب، أما الملابسات فقد تحدث عنها الشاعر أحمدو ولد عبد القادر في قصيدته "ليلة عند الدرك" وسأتحدث عنها في المرحلة الثانية عند ما أصل إليها.

 

 

تصنيف: 

دخول المستخدم