من مسلمات الحياة الحضرية أن أي واحد منا لم يختر جيرانه المباشرين داخل المدينة، كما أن الدول الحديثة لم تحدد بإرادتها موقعها الجغرافي ، من هنا كان التعايش الأخوي أساس الحياة الإنسانية و ضرورة بقاء الأفراد والمجتمعات، إنْ على مستوى الأسر أو على صعيد العلاقات بين الدول المتجاورة، وكما أن الجيران لا يستطيعون العيش في حالة نزاع دائم فكذلك الأمر بالنسبة للدول، لهذا تعتبر الدول التي لا تتخذ من موقعها فرصة لنسج شبكات من العلاقات العميقة مع جيرانها من أجل المصلحة العليا لشعبها ولتعزيز منزلتها على الصعيد الدولي عرضة للاضمحلال والزوال عاجلا أو آجلا ، مهما بلغت قوة الدول التي تنسج معها اتفاقيات تأمين وحماية مما يصور لها أنه اعتداءات وتغول من الدول المجاورة لها،
فمن يحب أن تكون دولتنا عاجزة تتخاصم وتشتبك مع الدول الشقيقة المجاورة لأي سبب، ثم تستنجد المؤازرة والحماية الموهومة من وراء البحار وتضحي بمصالحها ومواردها في سبيل تلك الحماية المزعومة ؟ تماما مثل الأسرة الشريرة التي تستدعى الشرطة في كل حين لفض نزاعاتها وشجارها الدائم مع جيرانها لأتفه الأسباب ، الأمر الذي ينتهي إلى إشعار تلك الأسرة المشاغبة أن أمنها الدائم لا يضمنه إلا إعادة تجذير علاقات أخوة ومسالمة مع جيرانها.
إن لم يكن أحد منا يرغب في أن يكون فردا من أعضاء الأسرة السابقة، فكيف نفهم دوافع بعضنا من مَن يعمل ليل نهار عبر الوسائط الإعلامية الحرة على إذكاء روح العداوة و أجواء التوتر والتأزيم بين بلادنا والدول الشقيقة المجاورة، فعلى سبيل المثال لا الحصر يتجاهل إعلام الوقيعة والتأزيم موقف الحياد الإيجابي الرسمي والشعبي من مسألة النزاع المزمن حول الصحراء الغربية وهو موقف يملي علينا تقوية ورعاية العلاقات الأخوية التي تربطنا شعبا وحكومة بكل من توأمينا الشعب المغربي و الصحراوي الشقيقين. وهذا الموقف هو ما يشكل أساس أمننا الحيوي ويضمن استمرار مصالحنا ويمنحنا إمكانية الوساطة النزيهة المخلصة لإيجاد أرضية متفق عليها لتسوية هذا النزاع الدامي المزمن، والذي يمثل حجر عثرة أمام الاتحاد المغاربي، فلمصلحة من يضرب عرض الحائط بهذا الموقف الطبيعي العقلاني حين يتفجر الصراع بين أخويك ولا نجد سوى من ينفخ في كير العداوة البغيض، فهذا يقدم زيارة روتينية لوفد حزبي من المملكة المغربية الشقيقة إلى نظيره في بلادنا كرسالة جفاء اتجاه الشعب الصحراوي وذاك يقرع طبول التأزيم مع المملكة المغربية الشقيقة بمجرد حضور حزب سياسي وطني لمناسبة رسمية صحراوية دعي لها.
و نفس المسلك التحريضي التأزيمي هو ما يقوم به بعض من يمتهن الصحافة في بلادنا كذلك اتجاه علاقتنا بجمهورية السينغال هذه الأيام على خلفية إجراء سيادي قامت به السينغال بشكل إنهاء فترة انتجاع مواشينا داخل أراضيها، وحين صرح رئيس الجمهورية من موقع المسؤولية بأن القرار سيادي وأن علاقاتنا بالسينغال أقوى من أن تتأثر بمثل هذا الإجراء.
فما معنى أن تصر بعض وسائل الإعلام لدينا على تقديم قرارات الدول الأخرى كما لو كانت موجهة ضدنا؟
وإذا قامت بلادنا بتطبيق الإجراءات القانونية للإقامة والعمل داخلها فكيف نقدم ذلك للرأي العام كما لو كان سلوكا عدائيا اتجاه الدول التي يخالف بعض رعاياها مقتضيات القانون الموريتاني ؟
ألا يعلم من يعمل على تسميم علاقاتنا بالغير وخاصة من الدول الشقيقة والصديقة أنه بذلك يمارس الإضرار بالمصالح العليا للبلد عن سبق إصرار وترصد، خاصة أن التصريحات الرسمية المتبادلة -مصدر الخبر الأول - تؤكد أن لا وجود لحالة توتر أو تأزم وأن علاقات هذه الدول مع بلادنا أقوى وأرسخ من أن تتأثر بإجراءات روتينية لتطبيق قوانين ونظم هذا البلد أو ذاك على مواطني البلد الآخر ؟
أولا يتذكرون أن لهم إخوة داخل الدول الشقيقة التي يعملون على تأزيم العلاقات معها وأن استمرار حياتهم ومصالحهم مرهون بديمومة العلاقات الطبيعية مع تلك الدول ؟
وهل يجوز أن يكون البحث عن الإثارة والجري وراء التماس أكبر عدد من المتصفحين كافيا لتبرير الإضرار بالمصالح العليا لبلدنا ولشعبنا؟
أفلا تكفينا عناوين:"حسناء حراك ماني شاري كزوال المعتقلة" و"الشاب الذي تزوج أربع نساء في ليلة واحدة مساهمة في التخفيف من ظاهرة العنوسة" و"الفضيحة المدوية في..." و"الحمار الذي يصطدم بالباص"... لضمان الحصول على أكبر عدد من المتصفحين الباحثين عن الغرائب والعجائب ؟
تلك صرخة ومناشدة مستهلك لما تنشره وسائط الإعلام لدينا موجهة لممتهني الصحافة وهم يختتمون منتدياتهم العامة الهادفة لإصلاح وتنقية القطاع من أجل الامتناع الإرادي عن أي شكل من أشكال الإضرار بعلاقات بلادنا الخارجية وخاصة مع الدول الشقيقة والصديقة وأن نترك للحكومة مهام تسيير علاقاتنا الخارجية وفق القوانين والمصالح الوطنية والأعراف الدولية دون تهويل أو تشويش.
الأستاذ/محمد سالم بمب
تصنيف: