عزيز.. المختار.. و نابوليون / بقلم : أبو نصر المعقيلي

»هل تصدقون أن الجمهورية اكتسبت نهائيا؟ إنكم لجد واهمين. نحن أسياد صنعها، ليس الأمر بأيدينا و لن يكون لنا ذلك إذا لم تلق على أديم فرنسا بعض أثقال الغرانيت. «

ألقى بهذه الكلمات يوم 8 مايو 1802 نابوليون بونابرت أثناء المباحثات التي جرت في مجلس الدولة حول مشروع قانون المتعلق بجحفل الشرف.

على ذكر هذا فإن الرئيس ولد عبد العزيز ما كان إلا ليحاكي إراديا أو لا شعوريا أخاه في السلاح بفاصل قرنين من الزمن.

بجمله أثقال من الغرانيت أسس بونابرت للحاكم ممثل الدولة في القطاع، و أنشأ مصرف فرنسا و بنى الثانويات، و أبدع النظام الوطني لوسام الشرف الذي يكافئ عملا عسكريا أو عملا مدنيا استثنائيا؛ و ضرب عملة؛ و أسس النظام المدني المنشور 1804 (مجموعة القوانين المنظمة لحياة الإفراد في المجتمع).

هذا ما كان الأهم بالنسبة له و "أما الباقي فأغبرة".

و لما أن المقارنة ليست سببا كافيا، فإنه تتضح التباينات بين قائمتي المشاريع المتخذة من الرجلين، التي يضاف إليها الفرق بين حجم الدولتين وعمر إحداهما يمتد إلى قرون عديدة فيما عمر الأخرى يزيد قليلا على الخمسين عاما، الأمر الذي يعني أن الجنرال الفرنسي كان حائزا على مكاسب منها السيادة و البنية التحتية على سبيل المثال.

وإذ لم يؤسس ولد عبد العزيز البنك المركزي فإنه أسس صندوق التنمية و الادخار. وإذ لم ينشئ الثانويات و فإنه فتح كلية العلوم و الطب. وإذ لم يؤسس وسام الشرف قد وزع الأوسمة بكثرة على الجنود و المدنيين. وإذ لم يضع النظام المدني فقد أنجز الحالة المدنية حجر الزاوية للدولة الحديثة التي تحترم نفسها.

وبإنشائه أثقاله الغرانيتية الذاتية فقد توجه ولد عبد العزيز في أولوياته إلى دعم السيادة و البنية التحتية.

ففيما يتعلق بالسيادة، عكف على رفع أركان الجيش بقوة إلى آفاق الحداثة بكادر بشري مؤهل و مزود بالوسائل الفنية و اللوجستية كما و كيفا، جيشا قادرا على رفع التحدي الأمني الذي يزيد من حدته الصراع الموازي للإرهاب.

و إنه الإنجاز الذي رفع معنويات الكثير من الضباط و ضباط الصف و الجنود الذين قضوا سنين طويلة من أعمارهم داخل جيش هزيل و مفتقر في أغلب حاله إلى كل شئ (أثواب رثة، عيشة ضنكا، الأمر الذي جعلهم كالمرميين في أتون صحراء التتار). و في ذات سياق السيادة فقد فرض البلد نفسه كدولة تتصرف بكل استقلالية (...)

إن رئاسة الوحدة الإفريقية التي حاول البعض أن يخفف من أهميتها كانت هدف العديد من الدول التي منها مصر على سبيل المثال و قد انتزعتها موريتانيا و بجدارة و استحقاق إثر صراع كبير و بفضل جهد معتبر بذلته و تحركات ديبلوماسية بليغة و رفيعة المستوى (...)

و أما وزن عزيز الغرانيتي الثاني فتجسد حقا في قيام بنية لتحتية عتيدة و منها الطرق التي عمت المدن الكبرى والأرصفة التي حفت بالشوارع الرئيسية فيها.

و مع عزيز فإننا رأينا تشكل أول متر من الأرصفة، و أول شبكة كهربائية تلبي الحاجة، و أول أجهزة تصوير طبقي و معدات لتصفية الكلى، و أول مطار حديث، و القضاء لأول مرة على أحياء الصفيح العشوائية.

و لأن مطار نواكشوط الدولي إنجاز كبير فإنه يعد أيضا مفخرة فتحت لمن أمر و أشرف على بنائه أبواب السجل التاريخي السياسي الموريتاني.

إذا كان إسماعيل دميريل هو مهندس السدود الكبرى في تركيا فإن ولد عبد العزيز هو بحق رجل البنى التحتية في موريتانيا.

بالرمل الذي كان يتقاسمه الموظفون عديمو الضمائر و يبيعونه في برص القيم الافتراضية قطعا أرضية، فقد زود ولد عبد العزيز البلد بأحد أحدث المطارات.

وحدها الطبقة البورجوازية التي كانت تستطيع الحصول على القطع الأرضية في تفرغ زينه فيما الفقراء و منهم "لكور" و "لحراطين" لا يحصلون إلا على "الكبات" أي أحياء الصفيح الغير مخططة والتي يقضي فيها المواطن عشرات السنين و ليس بحوزته لملكيتها إلا  وثيقة غير مضمونة تدعى "سير" بالحسانية.

خلال حملة 2008 الرئاسية، رفعت لائحة تحمل صورة محمد ولد عبد العزيز إلى جانب صورة للمختار ولد داداه تعبيرا عن أنهما المؤسس و الباني. و هي الرسالة التي لم أستسغها يومها مع أنني أصبحت أدرك أن في الرسالة تلك بعض ما كان خافيا علي.

بكل أسف فإن كل الرؤساء الآخرين، الذين كانوا في أغلب الأحيان عابرين أو شبه سلبيين بحكم تدثرهم بلحاف زمرة عسكرية سياسية براغماتية، لم يكن لهم من الأمر سوى تدشين الأقحوان على خلفية موسيقى جوقة صاخبة بقرع الطبول و نفخ الأبواق.

في الوقت الراهن يبقى الرجلان وحدهما اللذان أثرا بشكل فعال في تنمية البلد من خلال مشاريع هامة.

فما زال مركز الاستطباب الوطني الذي بناه المختار ولد داداه عام 1965 أكبر المستشفيات في البلد. وهو من صاحب مشروع مشروع آفطوط الساحلي الذي انتظر لتجسيده ولد عبد العزيز، و هو صاحب "طريق الأمل" و ميناء المياه العميقة و ميناء الصداقة.

و علاوة على أعمال أخرى كبيرة و إنجازات معتبرة ينضاف تنظيم قمة جامعة الدول العربية التي جعلت من نواكشوط عاصمة تتجه إليها الأضواء و تعدها من بعد لاستقبال و تنظيم قمم أخرى و تظاهرات عربية و إفريقية كبيرة.

لم أثمن أعلاه عزيز و المختار بأكثر مما يمليه الصواب، ولست حتى أميل إلى تلقيب أي منهما بـ"لعظيم" أو "الربان الأكبر" أو "عبقري الكارب لكنه في الصحراء يفترض بالجميع تهنئة من يكتشف الواحات.

تصنيف: 

دخول المستخدم