بعد جولات كثيرة مع ذاتي.. وفي الأسواق، تيقنتُ مما أصبح يراودني منذ مدة ليست بالقصيرة: نحن نعيش على النفايات، بالمعنى الواسع للعبارة وبأبعادها المختلفة، المادية والفكرية، سواء كانت من صنعنا أو من إنتاج غيرنا.
ولا حاجة للبحث بعيدا، ولا عميقا للبرهنة. فيكفي أن نتساءل حول أضرار، نجهلها أو نغض عنها الطرف، نستهلكها.. وتحيط بنا:
- ما هي نسبة واضرار التلوث التي نلقى في بضائع سوق النساء، المتخصص في بيع أثاث وأدوات المنازل المستعملة، والمعروف عند البعض تحت أسم آخر كاريكاتوري[i]؟ وكأن صاحبات تلك المحلات التجارية صرن من النفايات، بالنسبة لمن يطلقون على السوق المذكورة تسمية مشحونة بمشاعر الاحتقار!
- ما هي نسبة التلوث والإضرار التى نلقى في الثياب المستعملة الواردة من الخارج (فوك ادياي).
- ما هي نسبة وأضرار التلوث التي تحملها الأجهزة الإلكترونية والمعدات المنزلية المستعملة والموجودة بكثرة في أسواقنا (الكومبيوترات، الهواتف، الثلاجات، أجهزة الطبخ، المكيفات إلخ...).
- ناهيك عن نسبة التلوث والأضرار في السيارات المستعملة وقطعها، (آريفاج)، التي تعج بها "بورصات" نواكشوط ونواذيبو وشوارعهما وشوارع مدننا كلها!
- وأخيرا، وهذا هو بيت القصيد، ما هي نسبة وأضرار التلوث في كل ما نجتره من الماضي أيا كان نوعه: فكري، ثقافي، سياسي...؟ وما هي نسبة واضرار النفايات الفكرية والحضارية التي تغزونا من الخارج ونحاكيها ونقلدها بوعي منا أو بغير وعي؟
للأمانة، أنا لا أبرئ نفسي، لأنني مثل الجميع: أعيش بنسبة كبيرة على النفايات. املك واستعمل دوما سيارة من (آريفاج) منذ سنوات كثيرة، كما أنني كثيرا ما ابكي على الماضي. ولست في مأمن من النفايات الفكرية والحضارية التي تردنا من الغير. وكل هذا رغم مخاوفي الواردة تماما مما تحمله مركبتي من عوامل التلوث البيئي، ورغم شعوري باجتراري العقيم لماض لا ضلع لي فيه، ولكوني عرضة لغزو فكري وحضاري من آخرين لهم دينهم ولي دين.
وأخشى اليوم ألا يسعفني كوني اصبحت كُنتيا؛ أكرر:" كنتُ، كنتُ، كنتُ..."، دون أن اشعر. أما من هم دوني في السن، ومن منَّ الله عليهم بموهبة البصيرة و"التقدمية"، فهؤلاء هم من يعول عليهم. فعساهم يرفعون اصواتهم عليا لينقذونا من النفايات ومخاطرها المادية ومن عواقبها الفكرية الوخيمة، أيًا كان مصدرها داخليا أم خارجيا.
البخاري محمد مؤمل (اليعقوبي)
[i] سوق المطلقات. ويذهب أخرون إلى ابعد من ذلك في ازدرائهم، فيطلقون عليها: "سوق الغايرات".
تصنيف:
