يتقن الإخوان المسلمون فن تلميع الشخصيات، وصناعة الأبطال. ولعل ما شوش أذهان الكثير من المراقبين مؤخرا، والذين لم يستوعبوا رواية رفقاء الأخ صالح ولد حننه الذين تواتروا على أنه لم يكن القائد الفعلي والزعيم الملهم لهم. هو أن هؤلاء المراقبين لم يطلعوا على كيفية صناعة البطل لدى الإخوان. فالأمر لا يتعدى اختيار الشخص في مرحلة أولى وتقييمه بالمقاس الإخواني بحيث يخضع لمعاييرهم المطلوبة، من التحكم فيه والإستجابة للتحريك من طرفهم وفق أهداف ومخططات الجماعة. ثم في مرحلة أخرى يبدؤون في الدعاية له وترديد اسمه في المحافل، ونسج القصص حوله من خيالهم. وليس صالح ولد حننه إلا أحد هؤلاء الأبطال الذين هم من صناعة إخوانية. ويحضرني هنا حديث للشيخ محمد الحسن ولد الددو أثناء الحملة الرئاسية يوم 17/02/2007 بمقاطعة واد الناقة حيث قال بالحرف:
"لقد تذكرت في بداية كلام الرئيس قصة حصلت لي مع بعض أساتذته الذين درسوه من قبل في أكاديمية الملك عبد العزيز العسكرية للأركان. عندما لقيني أحدهم وقد سمع بالإنقلاب الذي حصل في العام الماضي في الثالث من أغسطس وكان يظن أن جميع عسكريي موريتانيا من حفظة كتاب الله، ومن الملازمين للصف الأول. فقد قال تخرج من هذه الأكاديمية اثنان من الضباط الموريتانيين، وذكر اسم صالح ولد حننه، وضابط آخر هو ؟؟؟؟ قال كانا يحفظان كتاب الله وكانا يجلسان دائما في الصف الأول وراء الإمام. وحصلت قناعة لدى الرجل أن جميع الضباط الموريتانيين يحفظون كتاب الله ويجلسون في الصف الأمامي خلف الإمام."
وقد أمر الشيخ مباشرة بعد نهاية الإجتماع أن لا ينشر هذا المقطع من حديثه في وسائل الإعلام. وهذا ما جعل الكثيرين يشكون في صدقية هذه الشهادة، خاصة أن الضابط الثاني الذي ذكره الشيخ، والذي لا أريد ذكر اسمه، دخل الكلية المذكورة عشرين عاما بعد تخرج صالح.
وفي نفس التظاهرة قال:
"على الإخوة والأخوات جميعا أن يجدوا ويجتهدوا في قناعتهم وأن يتميزوا بالصدق وهم أرادوا الإصلاح وما حملهم على دعم الإصلاحيين وصالح والحاتميين إلا قصد الإصلاح".
وأضاف:
"وستحملون معكم العهد الذي قطعتموه على أنفسكم أن تنصروا مرشحكم لقصد وجه الله الكريم لا تقربا إليه هو ولا تزلفا فلو كان من أمثال الرؤساء الذين يتقرب إليهم ويمدحون في وجوههم أو في غيابهم لما استحق أن ينوه به في حضرتكم"...
قبل ذالك في الشهر الثامن من سنة 2006 قال لي الشيخ الددو مباشرة إن دافعهم وراء تقديم صالح ولد حننه هو أنه لا يستطيع تسيير أسرته وأنهم قدموه لأنهم يتحكمون فيه فقط.
فبأي قوليه نأخذ؟ بأولهما أم بآخرهما؟
وفي كل الأحوال فإن الإطراء الأول كان أثناء الحملة الرئاسية. وكان الحديث الثاني يمثل المسوغ لاختيار شخص سياسي بهدف تقديمه للشعب. ومع ذالك فقد قال السيد صالح في الحلقة السادسة من شهادته إن الشيخ الددو وجماعته ليس لديهم نشاط سياسي!!!
إن أسلوب الإطراء والتلميع الذي حظي به السيد صالح ولد حننه استخدمته جماعة الإخوان لتلميع صورة الشيخ الددو نفسه والترويج له: فيعرفونه ب"رئيس مركز تكوين العلماء"، و"رئيس جمعية المستقبل"، و"رئيس مجلس إدارة مركز النور الصحي"، و"رئيس الهيئة الاستشارية الشرعية لجمعية الخير للتكافل الاجتماعي في موريتانيا"، و"رئيس جامعة عبد الله بن ياسين".
ومع كل هذا لم يدرج اسمه في وثائق أغلب المؤسسات المعتمدة عند الوزارات المختصة. ومن النادر أن يقوم بزيارة مقر إدارة هذه المؤسسات. وإذا حصلت زيارة تكون مرة واحدة في السنة أو السنتين. لغرض أخذ الصور الدعائية واستقبال الشخصيات الخليجية الجالبة للتمويل.
لم يقف الإخوان عند هذا الحد؛ فمنحوه أعلى الدرجات في المسابقات وأعطوه ترتيبا متقدما في الامتحانات في حين تفند الوثائق الرسمية والشهادات كل ذلك. وليس هذا استنقاصا من علمه، ولكنه من أجل إظهار الحقيقة فقط.
لقد قدموه في وسائل الإعلام ونشروا في موقعه الرسمي أنه شارك في مسابقة الباكالوريا فكان من المتفوقين على المستوى الوطني. وشهادته المرفقة (في الصورة التالية ـ هيئة التحرير) تنسف ذلك. وأنه بعد ذلك احتل المركز الأول في مسابقة المعهد العالي ملتفين على حقوق الشيخ محفوظ ولد الوالد الذي سلبوه صدارة المتسابقين.
لقد حرص السيد صالح ولد حننه على التأكيد على أنه إنما يقدم هذه الشهادة للتاريخ، وأنه يورد الأحداث كما هي وبكل تجرد، وذلك ما تمليه عليه صفته كباحث في التاريخ. فله جزيل الشكر على ذلك. رغم هذا فقد لاحظت أنه تجنب الخوض في أحداث تاريخية وتفاصيل ينبغي للمشاهد الموريتاني الإطلاع عليها. كما أنه عمل بمقتضى القاعدة الإخوانية الشهيرة: "المعلومة بقدر الحاجة". وهي العبارة التي وردت على لسانه أكثر من مرة في سياق شهادته. والمعروف أن الإخوان يحثون أفرادهم دائما على استحضار هذه القاعدة بحيث يكون الحديث في الأمور المتعلقة بالجماعة محكوما بضوابط لا يجوز الخروج عليها تحت أي ظرف. ولعل استحضار هذه الحكمة الإخوانية هو ما جعل السيد صالح يتهرب من الإجابة حين سأله الصحفي قائلا: "جميل منصور قال إنهم لعبوا دورا معكم في انقلاب 2003" فرد عليه قائلا: سنأتي على ذلك فيما بعد. وانتهت الحلقات تباعا. وما زال السؤال معلقا ينتظر الجواب!
من المغالطات التي وردت في سياق التغطية على فشل الإخوان في تأمين الخروج الآمن للسيد صالح من أرض الوطن. ما تطرق إليه من أن من يسميهم الإخوة الزنوج قد ارتكبوا خيانة بحيث أبلغوا عنه في الوقت الذي كان عليهم إخراجه بواسطة قارب صغير وفق ما تم الإتفاق عليه. والحقيقة أن هؤلاء (الإخوة الزنوج) وهم عبارة عن حركة "أفلام" الإنفصالية قد اتفقوا مع جماعة الإخوان على تهريب السيد صالح. لكن الإخوان هم من أخل بالإتفاق. فقد صرح متكلم "أفلام" أمام جماعة من قادة الإخوان في بلجيكا أن المبالغ التي كان الإتفاق يقضي بتسليمها إليهم بغرض تهريب صالح قد فر بها أحد قادة الإخوان إلى داكار. وحين اتصلوا به قائلين: "إن المجموعة المكلفة بالعملية جاهزة ولم يبق إلا استلام المبالغ" رد عليهم قائلا: "أنا الآن في داكار" ولم يحصلوا منه على شيء. وكان المعني حاضرا للإجتماع المذكور ولم يعترض على ما قاله نشطاء "أفلام". فمن أين جاءت الخيانة؟ من الإخوان أم من "أفلام"؟ يحتاج الأمر إلى توضيح بغية إظهار الحقيقة للتاريخ.
على ذكر الخيانة، ألا يعتبر السيد صالح ولد حننه فرار مجموعة الإخوان إلى الخارج وتركهم السيد رمظان ولد أمعيليم في المنزل الذي يحوي الأسلحة يلاقي مصيره خيانة وخذلانا لأخ ورفيق درب؟
"لا يسلم ابن حرة زميله حتى يموت أو يرى سبيله".
كأني بهم يقيمون الدنيا ولا يقعدونها لو كان الفاعل غيرهم. فكم من لبوس عنصري وشرائحي يلبسونه للحادثة لو كان غيرهم من ارتكبها. وكأني بالمرصد الموريتاني لحقوق الإنسان يدبج بيانا يكيل فيه التهم للفاعلين باستضعاف السيد رمظان ولد أمعيليم ويعتبر فيه الأمر استهدافا لشريحة مهمشة..
من المغالطات التي تهدف إلى إعطاء صبغة قدسية لمحاولاته الإنقلابية ما تضمنه حديثه عن فرضية لجوء الرئيس معاوية إلى السفارة الإسبانية واستدلاله بأن هذه السفارة هي التي كانت تتولى رعاية المصالح الصهيونية في موريتانيا. وأن هذه السفارة وفرت له سبل الإتصال بالوحدات وإعطاء الأوامر. والحقيقة أن وجود معاوية داخل قيادة أركان الحرس الوطني خلال يومي المحاولة هو أمر لا جدال فيه. فقد وصلها صحبة مرافقه العقيد محمد ولد عبدي (شفاه الله) ليلة الثامن من يونيو وبات في ضيافة ثلاثة ضباط محترمين والغريب أن ثلاثتهم من قبيلة السيد صالح التي تم اسهدافها من طرف نظام ولد الطائع.
هذه حقيقة المكان الذي تواجد فيه الرئيس معاوية. والغريب أن السيد صالح لم يتأكد منه حتى اليوم!
(يتواصل)
عبد الله ولد محمد لوليد
تصنيف:
