ملخص عن مداخلة الأستاذ إدومو ولد محمد الأمين ولد عباس بمناسبة تكريم الكاتب الروائي أمبارك ولد بيروك إثر فوزه بجائزة أحمد كروما للأدب ⃰

كان اختيار الرواية الأخيرة لبيروك للجائزة الكبيرة لأحمد كروما للأدب متوقعا ومستحقا بجدارة. مع إصداره الرواية مطرب الأمير، أصبح الكاتب في دائرة التوقع والترشح لتكريمات أخرى وأصبحت موهبته معترفا بها على نطاق واسع في الدوائر الأدبية الوطنية والدولية ذات الصيت.

تشترك أعمال كاتب طبل الدموع وخاصة روايتيه الأخيرتين في الكثير من الأشياء التي تتنازع عقل ومشاعر نقاد الأدب كما يقول بودلير. ومن هذه الثوابت نذكر اختصارا ثلاثة يمكن التماسها على مستوى البنية السردية الكبرى ألا وهي: موضوع المجتمع البدوي الآخذ في التمدن وشخصية المرأة الثائرة، والغنائية الشاعرية.

يتناول بيروك فى كل رواياته بدءا برواية ونسيت السماء أن تمطر إشكاليات المجتمع الموريتاني ذي التقليد البدوي أساسا، ولكنه مجتمع آخذ في التمدن على عجل، مجتمع في صراع مع الحداثة الغازية، ومسكون في الوقت ذاته بالكثير من التناقضات لأنه مجبر على أن يعيش بشكل دائم في زمنين لا يمكن التوفيق بينهما: الزمن الحالي ؛ الزمن الحاضر بما يحمله من مغريات وازدواجيات غالبا ما تكون مقلقة ، وزمن الماضي ؛ أي الأمس بما يحمله من ذكريات جميلة وتحنان إلى الماضي وبما فيه من طمأنينة لخلوه من مناقصات الحياة. إن موضوع مجتمع البدو الرحل الآخذ في التمدن والذي نجده في الروايات الثلاثة هو المبدأ المحفز على الكتابة بالنسبة لكاتبنا.

يتميز العمل الروائي لبيروك فضلا عن وحدة الموضوع هذه بشخصية المرأة التي تحتل ضمنه موقعا مركزيا. هكذا نجد لولة في رواية  ونسيت السماء أن تمطر وخديجة في مطرب الأمير  وريحانة بطلة طبل الدموع، هن الثلاثة محور السرد الروائي وهن مركز ثقل العقد التي يصوغ حبكتها الروائي في كل واحد من الأعمال الثلاثة.

ثلاثة وجوه نسائية مستقلة، قوية بدنيا وعقليا تخُضن مواجهة جريئة مع تحديات الزمن الذي تعشن فيه ومع القوانين السائدة في قبائلهن التي لا ترحم. ثلاث نساء شابات وجميلات ترفضن الرضوخ والتنزل في المواقع التي خصصها لهن المجتمع ؛ ترفضن بالقول والفعل وتحركن البرك الراكدة والنظام السائد، ثم إنهن ترفضن قناعات ذويهن البائدة. ثلاث نساء ترفضن ــ وبنفس النفس الثوري وفي نفس الوقت ــ الزواج المعمول به في زمانهن كما ترفضن التحنان إلى الأزمان الماضية الذي أخنى عليه الدهر. تلتقي مصائر الثلاثة عند نقطة قطيعة واحدة وتسلكن هن الثلاث نفس السبيل الواعد في الزمان والواعد من حيث النظام؛ زمان ونظام غير اللذين يفرضهما عليهن التاريخ "من الناحية المنطقية".

لجأ بيروك من أجل إيصال هذه الرسالة المتكررة إلى خاصية ثابتة ثالثة وهي أسلوب الكتابة الغنائية، حيث تفيض رواياته الثلاثة بالشعر والمشاعر والتأثر. لذلك يلاحظ القارئ أن الاستخدام التلقائي لضمير المتكلم  "أنا" (Je) يشي بميل من قبل الكاتب إلى أسلوب جمالي خاص.

هكذا نجد فى النصين الأولين أن بيروك يعطي الكلام لأشخاص عدة أولهم محمود ولولة وبشير وملاي في رواية "ونسيت السماء أن تمطر" .. فيمدنا بفيض من مشاعرهم الواحد تلو الآخر وهو يستخدم في كل مرة ضمير المتكلم "أنا" المعبر عن تدفق المشاعر الحميمة .

ثم يعيد الكرة فى "مطرب الأمير".. ولكن هذه المرة، مع شخص واحد من شخوص الرواية هو مطرب أولاد مبروك. ثم يتأكد هذا الاختيار للمنبع الوحيد للتدفق السردي في "طبل الدموع" الذي تمثل ريحانة بطلة راويته.

من رواية إلى أخرى يقدم لنا الكاتب بيروك ما يسميه جاكبسون "تعبيرا مباشرا عن موقف ذاتٍ إزاء ما تتحدث عنه".

ضرب من الإطراءPathos  موجه من أجل بناء رؤية عن واقع  موريتاني واحد؛ واقع يعبر عنه أولا بتعابير متعددة ثم بتعبير واحد هو تعبير شخص الراوي الرئيسي.

كذلك يراكم الكاتب من رواية إلى أخرى ضروبا من تدفق المشاعر من كل نوع ويستحضر ذكريات شخصية وتحنان إلى الماضي....إلخ

يستخدم الكاتب على الدوام لغة مفعمة بالمشاعر وكلمات وتعابير شاعرية تعمد تكرار الكلمات في بداية الجمل والاستعارات وغير ذلك مما يعطي لنثر بيروك طعما خاصا يجعل من رواياته ما يشبه قصائد سردية طويلة.

تؤسس هذه الثوابت الثلاثة في الوقت ذاته أصالة وعالمية العمل الذي نال جائزة آمادو كروما لسنة 2016.

----------------------------------------------------------

الأستاذ إدومو ولد محمد الأمين ولد عباس ناقد وأستاذ الأدب الفرنسي والمغاربي بجامعة انواكشوط وهو الأمين المكلف بالنشر لدى رابطة الكتاب الموريتانيين باللغة الفرنسية.

تصنيف: 

دخول المستخدم