تباينت الردود والمواقف من خرجة الرئيس الفرنسي الإعلامية عبر القناة القطرية الجزيرة؛ إذ اعتبرتها الصحافة الفرنسية عموما بمثابة عملية دعائية موفقة وجهها الرئيس ماكرون إلى العالم الإسلامي بغية التخفيف من غضب المسلمين بسبب دعمه لبث الرسوم الكاريكاتورية المسيئة لرسول الله صلى الله عليه وسلم. وكان لذلك الغضب أثر رمزي بارز على السوق التجارية الخارجية الفرنسية، حيث انتشرت الدعوات على نطاق واسع داخل العالم الإسلامي إلى مقاطعة البضائع الفرنسية. ورغم أن كثيرا من الناس تجاوبوا معها عبر شبكات التواصل الإجتماعي، فإن تداعياتها على الصادرات الفرنسية لا تبدو قوية لحد الآن. لكن الرمز السياسي الذي تمثله الرسالة ومواصلة انتشارها لهما وقع سيء على صورة فرنسا وسياستها في العالم الإسلامي الذي يضم ما يقارب مليارين من البشر. وهذا ما أراد الرئيس الفرنسي وضع حد له من خلال اختياره قناة الجزيرة لبث رسالته.
وكما اسلفنا، بارك الإعلام الفرنسي عموما خطوته، لكنها لم تحظ في الطرف الآخر بنفس التقدير. بل على العكس كثيرون هم صانعو وناشرو الرأي في العالم الإسلامي الذين استهجنوها واستاؤوا من تعامل القناة القطرية معها، قائلين أن ماكرون لم يأت بجديد، بل ظل في الأساس على موقفه الداعم لنشر الصور المسيئة للرسول صلى الله عليه وسلم، وأن الجزيرة ما كان لها أن تقدم له- حسب وزير الخارجية الموريتاني السابق محمد فال ولد بلال -"هدية مجانية (بهذا) الحجم دون تقديم أي تنازل أو لفتة معقولة للعالم العربي والإسلامي في أشد غليانه واحتجاجاته". وطبعا جل المدونين الموريتانيين الذين قرأناهم على نفس الخط من القناة القطرية. ولو أن بعضهم حاد نوعا ما عنه، مثل الرئيس السابق لحزب تواصل السيد محمد جميل منصور وكذلك الناشطة السياسية والإعلامية منى بنت الدي.
فهما يدعمان تماما تعامل الجزيرة مع ماكرون. فالصحافية بنت الدي بنت حكمها على المقابلة انطلاقا من منظور اعلامي بحت دون التطرق إلى ما قاله الرئيس الفرنسي، إذ ترى من خلال هذه الزاوية المهنية سبقا إعلاميا حققته القناة. أما جميل منصور فبالإضافة لهذا الجانب الذي أشار إليه دون أن يركز عليه، فإنه يرى أن ماكرون أبدى مرونة تشكل خطوة إيجابية لكنها غير كافية، حيث كتب:
" لقد تراجع الرئيس الفرنسي في أمور، شرح أنه لا يعني أن الاسلام كدين يعيش أزمة، بل الأزمة في وجود مجموعات توظفه للقتل والإرهاب، وأوضح أن التمسك الذي أعلنه عند موت المدرس المسيء لا يتوجه إلى الرسوم بل إلى مبدإ حرية التعبير، وحتى وإن كان هذا التأويل اللاحق غير مقنع، ففيه هدف تصحيح. "
وهذا التأويل يميل نوعا ما إلى دعم ما حاوله ماكرون: التخفيف من حدة الشعور بالإساءة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي أحس به المسلمون في خطاباته السابقة التي أدلى بها على أثر ذبح وقطع رأس المدرس الفرنسي صامويل ابيتي من طرف ارهابي يوصف ب"الإسلامي".
لكننا نعتقد أن هذا ليس حقيقة هو قصد جميل منصور؛ وإنما أراد تبرير موقف الجزيرة والدفاع عنها مثلما يدافع عن قطر وعن النظام التركي الحالي. وقد يتساءل من لا يعلمون- أو يتهكمون: ما هي دوافعه للذود عنهم وحماهم؟ هل ما زالوا "إخوانا"؟.
البخاري محمد مؤمل (اليعقوبي)
تصنيف: