يعيش العالم اليوم لحظة تاريخية حرجة مع انتشار فيروس كورونا، لحظة تضع الحضارة الحديثة وما بعد الحديثة، امام أسئلة شائكة حول جدوى التقدم العلمي والتكنولوجي وحول انفجار الثقافة المعلوماتية وقيام زمن العولمة.
فرغم التطور الطبي الهائل ورغم أن تاريخ الأوبئة كان جزء من تاريخ الإنسانية إلا أن درجة الذعر والانهزام التي أصابت العالم غير مسبوقة وذلك لأن الإنسان اغتر إلى درجة بعيدة بمقولات: قهر الطبيعة، التقدم التقني، غزو الفضاء....
وبعد كل هذا يكتشف العالم عجزه أمام أضعف وأصغر مخلوق، وربما يكون من "صنعه" .
هذا الأمر جعل البشرية تعيش وضعية مزدوجة. فهناك جمهورعريض، ازداد ارتباطه بالمفهوم الديني، الذي يعتمد القدرية في فهم وشرح الوقائع، ويرسّخ أكثر فأكثر الثقافة الغيبية في النظر إلى أحواله وفي معالجة حتى أبسط ما يعيش. ومن ناحية أخرى، هناك من سيطر عليه الاستسلام لهيمنة الغرب، والرضوخ للمفاهيم التي سبق وأن أشرنا إليها والتي هي في واقع الأمر مفاهيم للاستهلاك الإعلامي بالدرجة الأولى.
ولهذا فإننا نمخر بحرا من الخوف لنصل إلى شاطئ غير آمن هو الآخر حيث يضعف إن لم نقل يختفي التمسك بقيم الوعي أو على الأقل الوعي النقدي، ومن هنا فإن دور النخب ينحسر حيث لم تعد قادرة على الإعلان عن الاختلاف في وجهات النظرفهي ملزمة بأن تظل جزء من قضايا بعيدة منها ولا تشارك في صياغتها ولا في التداول بشأنها. منها، إشكالية فرض الغرب قيم حداثته، باعتبارها قيماً كونية، ولا بد لنا من أن نقبل بها ونعتبرها الحقيقة والمرجع، ومنها انفجار الثقافة الرقمية بكل ما تحمله من استبداد ثقافة الإعلام والاستهلاك.
فبفعل العولمة انتشر الفيروس انتشارا غير مسبوق حيث العالم قرية واحدة وأصبحت سرعته تساوي حركة البضائع والطيران والأشخاص العاديين بينما في الماضي كانت الأوبئة نسبية الانتشار حيث يظهر الوباء في منطقة معينة ويموت فيها لانعدام وسائل نقله.
لقد كشف أيضاً هشاشة الأنظمة الصحية حتى في الدول الحداثية المتقدمة، بينما لا نستطيع أن نتحدث في دولنا عن وجود أنظمة صحية من الأساس، ولقد كان الاعتقاد السائد في الغرب، أو عند الشعوب الغربية، أنهم يعيشون في دول تستطيع حمايتهم من أي داء أو وباء يمكن أن يعترض طريقهم أو يهدد حياتهم.
لقد أعاد كورونا إلى الواجهة فكرة المصير البشري المشترك، على الرغم من التمايزات والصراعات بين القوى العظمى وهزال الدول المتخلفة، إلا أن فكرة وجود عدو مشترك يعني في النهاية أن البشرية كلها تعيش نفس التهديد وتسعى إلى حل ينقذ الجميع.
تصنيف: