قد تبدو الممارسة الديمقراطية، في شكلها، روتينا بسيطا نسبيا؛ تسجل على اللائحة الانتخابية، تتأكد من ظهور اسمك عليها، تتابع الحملة الانتخابية في حدود ظروفك واهتماماتك، تقف في الطابور يوم الاقتراع، تختفي خلف الساتر وفي يديك خمس لوائح سيحدد تصويتك عليها شخصيتك، ووعيك، وموقفك الوطني... فإذا توزع صوتك بين خمسة أحزاب فأنت شخص لا لون له، ولا طعم لخياراته، تساهم بشكل غير واع في تشويه العملية الديمقراطية التي تتيح لك التعبير الحر عن رأيك والمساهمة الواعية في اختيار من سيمثلونك لخمس سنوات قادمة.. فتصور أنك اخترت اللائحة البلدية لحزب الاتحاد، والنيابية المحلية لتواصل، والوطنية للتكتل، والجهوية للوئام، والنسائية لحزب كرتابل عجز عن الحصول على 1% فتم حله. وتصور أن الموريتانيين ساروا في التصويت سيرتك، فكيف سيكون مصير وطنك!! خمس فئات من مشارب شتى؛ فيها الوطني والمرتهن للخارج، وبيدق رجل أعمال مطلوب للعدالة، وحاملة سهم في حزب أشهر إفلاسه... سؤال بسيط تجيب عليه إجابة صحيحة يجنبك الصراع بين عقلك وعاطفتك ومصالحك وقراباتك وصداقاتك.. لماذا أصوت، ولمن أصوت؟
تحدد الإجابة على السؤال الأول الإجابة على الثاني. فإذا كنت تصوت لتمارس حقك الذي يكفله لك الدستور في اختيار ممثليك الذين سيديرون الشأن العام لوطنك نيابة عنك لفترة محددة تحاسبهم بعد انقضائها فتجدد الثقة فيهم، أو تحجبها عنهم حسب أدائهم، فإنك ستصوت للبرنامج السياسي الذي تعتقد أنه الأقدر من بين البرامج السياسية المنافسة (إن وجدت!) على تحقيق المصلحة الوطنية العليا. في هذه الحال ستمنح صوتك بكل ثقة واطمئنان للوائح حزب الاتحاد من أجل الجمهورية لأنه الحزب الوحيد من بين الأحزاب المنافسة الذي يملك برنامجا سياسيا حاز ثقة الموريتانيين خلال مأموريتين متعاقبتين. وإذا كان يتقدم إلى الموريتانيين في هذه الاستحقاقات لنيل ثقتهم من جديد فإنه يعتمد على ما حققه من إنجازات كبيرة بقيادة رئيسه المؤسس السيد محمد ولد عبد العزيز. فلا يمكن لمكابر التشكيك في الانجازات التي تحققت على كافة المستويات و في كافة المجالات، ومن واجب الموريتانيين المحافظة عليها وتعزيزها من خلال منح حزب الاتحاد من أجل الجمهورية أغلبية ساحقة تسمح له بإدارة الشأن العام في مأمورية جديدة تمثل استمرارا وتعزيزا لنهج البناء والاستقرار. فمن بين جميع الأحزاب المتنافسة يمتاز حزب الاتحاد من أجل الجمهورية بأنه الوحيد الذي يملك رؤية وطنية شاملة وبرنامجا سياسيا متكاملا، وحصيلة إيجابية يقدمها للناخبين، وقيادة كارزمية يلتف حولها الشعب ويتشبث بها صمام أمان للوحدة الوطنية وسدا منيعا في وجه التطرف والكراهية، وضمانة لغد أفضل...
أما أحزاب المعارضة، وأحزاب القطاع السياسي غير المصنف فدوافعها إلى الترشيح مختلفة؛ منها من أدمنه لفوائده المادية. فقد دأب تواصل على تحريض المعارضة على المقاطعة ليخالفهم إلى ما ينهاهم عنه استجلابا للدعم الخارجي. أما التكتل وغيره من الأحزاب التي تحظى برعاية رجل الأعمال المطلوب للعدالة فقد رشحت تحت ضغطه رجاله المقربين الذين لم تكن لهم سابقة في ممارسة العمل السياسي أو الاهتمام بالشأن العام، لكن العراب أراد أن يكون له نوابه كما كان له شيوخه. أما أحزاب القطاع السياسي غير المصنف فقد رشحت خوفا من الحل إذا لم تحصل على النسبة المئوية المطلوبة مما اضطر بعضها إلى التحالف مع الحركات العنصرية المحظورة. أما الذين تحركهم مصالحهم الشخصية فهم الأكثر خطرا على الممارسة الديمقراطية والعمل السياسي فهم مضاربون لاهثون خلف المكاسب يشترون الأحزاب ويبيعون الأصوات... فأي تنافس يمكن أن يقوم بين حزب سياسي فاز بأغلبية مريحة في استحقاقين متتاليين، ويقدم للناخبين حصيلة عشر سنوات من البناء والاستقرار، وأحزاب ترشح طمعا أو خوفا دون مشروع سياسي واضح، أو تجربة في إدارة الشأن العام، وأشخاص يبحثون عن مصالح ضيقة لا تتجاوز حدود العائلة، وتخوم القبيلة!!!
د. محمد اسحاق الكنتي
تصنيف: