نصل إلى السادس من إبريل؛ فما حدث فيه كان أول ردة فعل على انقلاب العاشر من يوليو، وقاده ضابطان من خيرة الجيش الموريتاني شجاعة واستقامة ونخوة وحبا للوطن؛ هما أحمد ولد بسيف ومحمد ولد ابه ولد عبد القادر (كادير) رحمهما الله.
هل تعلم أن جماعة العاشر من يوليو اتصلوا بالمرحوم بسيف قبل تنفيذ الانقلاب ودعوه للمشاركة فرد عليهم بأن هذا غدر وليس من شيمته أن يغدر! فأثار رده فزعهم وارتبكوا. وحسب ما في مذكرات أحدهم التي سبق النقل عنها فقد اختفى أحد قادتهم عدة أيام. فأوفدوا أحدهم (لعله أحمدو ولد عبد الله رحمه الله) إلى أحمد ليعلم هل سيشي بهم أم لا، فقال له: هذا أيضا ليس من شيمتي! فليس الغدر من شيمتي ولذا لن أقوم بانقلاب، وليست النميمة من شيمتي ومن ثم لن أشي بكم أيضا.
هذان الضابطان قادا حركة السادس من إبريل وكان أحدهما صديقي والثاني لم أكن أعرفه.
لحسن: ما هي مكانتهما العسكرية حينها؟
ذ. إشدو: أحمد ولد بسيف – رحمه الله- وزير في الحكومة آن ذاك، ولم تكن له أية مكانة عسكرية في ذلك الوقت، لكن أغلبية الجيش تحبه وتثق به.
ومن الغريب أني قبل السادس من إبريل بحوالي شهر لقيت وفدا أجنبيا فتحدثت معهم من ضمن أشخاص آخرين وكان الحديث عاديا، هم يسألون عن مآل موريتانيا وتوجهها بعد الانقلاب، وأثناء النقاش قلت لهم: يوجد ضابط واحد يدعى أحمد ولد بسيف، هو الذي يعول عليه الموريتانيون في المستقبل. ولم أكن أعرفه آن ذاك!
على ذكر الوفد الأجنبي هناك أمر لم أقله لك حتى الآن وسأقوله؛ وهو أن الحركة الوطنية الديمقراطية وحزب الكادحين لم يقبلوا أبدا العمل تحت إشراف قوة أجنبية، ولم يأخذوا أي تمويل من الخارج. هاتان مسألتان حرصنا عليهما: تجنب التبعية للأجنبي، وتجنب الاعتماد على مال الغير أيا كان.
شاء الله أن ألقى بسيف بعد حوالي شهرين من ذلك حينما أتيت منزل المرحوم محمد ولد ابه وله عبد القادر بحثا عنه، فوجدت أحمد جالسا في الصالون ينتظره أيضا، ويبدو أنه يعرفني دون أن أعرفه، وإن كنت أعلم أنه وزير في الحكومة القائمة آن ذاك، وأثناء حديثنا تعمدت التطرق إلى السياستين اللتين سبق أن تحدثت عنهما (عدم تصفية الحسابات والحرص على الوحدة الوطنية، والخروج المشرف من الصحراء) فقال لي: هذا حسن، لكن من سيقوم به؟ من لا يملك السلطة السياسية لا يمكنه فعل أي شيء! ينبغي أولا البحث عن وسيلة لتغيير النظام والاستيلاء على السلطة السياسة ليتاح فعل أي شيء.
أمضينا وقتا في انتظار محمد فلم يحضر فذهبنا. وقد فاجأني أمران في حديثه:
أحدهما شدة وضوح رؤيته والثاني صرامته. وعلمت فيما بعد أن محدثي هو نفسه أحمد ولد بسيف الذي سبق أن قلت إن الموريتانيين يعولون عليه.
أما محمد فكان يقود قوة عسكرية فما هي؟ في إطار الصراع بين قادة العاشر من يوليو شكلت كتيبة الأمن الرئاسي وقادها محمد ولد ابه ولد عبد القادر رحمة الله عليه، وكان الشيخ ولد بيده – رحمه الله– قائدا للدرك الوطني.
تكرار الخطأ
وعلى كل حال تحرك مجمل قادة الجيش يوم السادس من إبريل، لكن هؤلاء وقعوا أيضا في نفس الخطأ الذي وقع فيه المرحوم جدو ولد السالك! فأحدهما عين رئيسا للوزراء والثاني عين في الأمانة الدائمة للجنة العسكرية ثم وزيرا للتهذيب وسلما قيادة الجيش لآخرين وجلسا على الكراسي أعزلين.
وهناك أمر آخر هو أنهما اتفقا مع باقي قادة العاشر من يوليو على حل وسط يبقي قائد الانقلاب رئيسا شرفيا للبلاد؛ ومع كونه منصبا شكليا فقد كان أحد مراكز القوة واستغل ضدهما.
لحسن: ثم تم اغتيال المرحوم أحمد.
ذ. إشدو: نعم تم اغتياله على ما أعتقد.
لحسن: أنتم تصفون ما حدث للرئيس أحمد ولد بسيف بأنه عملية اغتيال، وهذا طبعا ضد الرواية المتداولة التي تتحدث عن حادث سقوط طائرة.. إذن كيف تم اغتيال الرجل؟ ربما يكون هذا السؤال فاتحة الحلقة القادمة من برنامج "ضيف وقضية" وستشرحون خلالها وجهة النظر التي تقتنعون بها من كون الرئيس أحمد ولد بسيف تم اغتياله، مع تحديد الجهات التي كانت تقف وراء تلك العملية إن استطعتم، ثم سيكون لنا أيضا فيها حوار غني حول ما أعقب ذلك من أحداث كالسادس عشر من مارس، و12/12 وأحداث 1989 الدموية.. إلى غير ذلك من النقاط التي ستكون - إن شاء الله- محاور الحلقات القادمة من برنامج "ضيف وقضية" مع الأستاذ محمدٌ ولد إشدو.
وإذا كانت لديكم كلمة موجزة تريدون توجيهها للمشاهد الكريم..
ذ. إشدو: ليس لدي إلا ما أقوله دائما من شكركم أنتم على فتح قلوبكم وقناتكم أمامي لأشرح وجهة نظري في هذه الأحداث وأحاول توثيقها ما استطعت، لكني أطلب من الآخرين، حتى الذين لديهم وجهة نظر مخالفة، أن يحاولوا – هم أيضا- توثيق هذه الأحداث وعرض ما لديهم من أفكار حولها خدمة للأجيال، فمن لا تاريخ لهم لا ذاكرة لهم، ولا روح.
أضف إلى ذلك أن الأجيال القادمة ينبغي أن تكون على علم بتجربة من سبقوها لتبدأ من حيث انتهوا لا من حيث ابتدؤوا.
لحسن: جميل.. إذن مع ضيفنا الأستاذ والسياسي الأديب والمحامي محمدٌ ولد إشدو وقفنا على حقيقة انقلاب 1978 وما اكتنف تلك المرحلة من المحطات المهمة في التاريخ السياسي الوطني، كما تعرفنا على بعض القضايا التي ربما قيلت لأول مرة على شاشة قناة "الوطنية".. والمتعلقة أساسا بأن جدو ولد السالك والرئيس الأسبق أحمد ولد بسيف تم اغتيال كل منهما، وأن وفاتهما لم تكن بحادثين عرضيين.
في الحلقة القادمة سيشرح الضيف – إن شاء الله- أسباب ذلك والجهات التي تقف وراء ما سماه اغتيالا.
إلى أن نلتقيكم في حلقة قادمة من برنامج "ضيف وقضية" لم يبق لي إلا أن أشكركم – مشاهدينا الأعزاء- على حسن المتابعة والإصغاء، وأطمئنكم أيضا - بخصوص الأدب- أن لنا حلقة قادمة مع ضيفنا حول السجل الأدبي له بطبيعة الحال ولأكثر من شاعر موريتاني مثلت نصوصهم ترجمانا حقيقيا للتاريخ السياسي الوطني.
نشكرك يا أستاذ محمدٌ، ودمتم بأمان الله.
تصنيف: