في حديثه عن لقاء سري جمعه مع رئيس الجمهورية السيد محمد ولد عبد العزيز قبيل الاستفتاء الدستوري الماضي، كتب جميل منصور :
"كان اللقاء رغم التباين هادئا".
ثم أضاف تبريرا - أو على الأصح تحفظا ربما يتعلق بسلوك قومه - يَفهم منه أي إنسان يقرأ بين السطور أن المنتدى لم يكن جادا في تلك المفاوضات السرية؛ بل كان يمهد لمناورة أهلها مترددون ولا يعلمون بالضبط ما ذا يريدون، حيث قال جميل في مستهل استدلاله :
" رغم بعض مظاهر التردد في مسار المعارضة في هذا الموضوع و رغم بعض التوجس و الغموض..."
لكن الغريب في هذا المدخل الاستدلالي هو أن صاحبه استنتج من تردد قومه فى المنتدى ومن توجسهم وغموضهم أن الطرف الآخر هو المسؤول عن ما آل إليه لقاءه مع الرئيس الذي "لم يحقق هدفا و لم يترتب عليه شيئ" على حد قوله.
هذا في الوقت الذي هو لا يعتبر ما جرى مفاوضات وإنما محض جس نبض يقوم به "مبوهون" يؤدون مهمة استطلاع تمهيدية، متعمدا حسب تصريحه تكرار عبارة " التبواه" التي اطلقها محمد ولد مولود رئيس المنتدى الذي كان حائرا ومرتبكا طيلة حديثه عن تلك المفاوضات السرية مع خصمهم وكأنه يعتذر بشكل غير مباشرعن قبولهم لها.
ومع ذلك فقد حاول ولد مولود كما حاول زميله السياسي جميل منصور تحميل النظام مسؤولية عدم التوصل إلى نتائج. وكل منهما يعترف في نفس الوقت أن السلطة الحاكمة كانت دائما هي الداعي إلى المفاوضات بينما كانوا هم يقبلون الدخول فيها على مضض حسب ما يُفهم من قول الرجلين.. حتى وإن تباينا من حيث الأداء الإعلامي لكل منهما، حيث أظهر جميل منصور اريحية اكثر من خلال تدوينته على الفيسبوك علما أن الظروف كانت أقل اكراها وضغطا بالنسبة له مقارنة برئيس المنتدى الذي كان يلقي كلمة تقديمية يفتتح بها ندوة صحفية وهو تحت انظار الكامرات والإعلاميين.
---------------------
النص الكامل لتدوينة جميل منصور
"قد يرى البعض أنه لا لزوم لهذا التعليق، فالموضوع قد لا يستحق ثم إنه فصلتنا عنه أيام ، و لكني في مثل هذه الأمور أرى أن للرأي العام حقا يلزم للمهتمين بالشأن العام أو الفاعلين فيه مراعاته و تأديته ما أمكن .
عرفت الأيام الماضية نقاشا و تداولا واسعين حول موضوع المفاوضات السرية بين النظام و المنتدى الوطني للديمقراطية و الوحدة و ذكر في هذا السياق لقاء جمعني مع الرئيس محمد ولد عبد العزيز ليلة الفاتح من رمضان ، و إسهاما في هذا النقاش و وضعا للأمور فيما أراه نصابها أورد الملاحظات التالية :
1 - سبق لي أن أوضحت رأيي في اللقاء بين المعارضة و النظام و خلاصته أنه لا إشكال فيه علنيا كان أو سريا فالخصومة لا تمنع ذلك ، المهم حول أي موضوع كان اللقاء و في أي سياق و ما الهدف منه .
صحيح أن الأفضل أن يكون علنيا و شفافا و تحت أنظار الرأي العام ، لكن ظروف ضعف الثقة و الخوف من التوظيف الدعائي - قياسا على السوابق - و تحرزا من أطراف أغلبها في السلطة لا تبخل في السعي لإفشال أي تفاهم بين النظام و المعارضة ، قد تدفع لجعل هذه اللقاءات سرية .
و قد اتضح من خلال مسير طويل أن المنتدى - و كذا الأطر التنسيقية للمعارضة قبله و معه - يعرف ما يريد و لا يخشى عليه عموما من علنية التفاوض أو سريته .
2 - فيما يتعلق باللقاء المذكور فقد التقيت فعلا ليلة الفاتح من رمضان الماضي بالرئيس ولد عبد العزيز بناء على مبادرة و ترتيب منهم ( السلطة و موفدوها ) و اتفقنا على سرية اللقاء و كان موضوعه الرئيسي هو مناقشة صريحة و مستفيضة حول مخاطر الاستفتاء على البلد و الدستور و الوضع السياسي و ألححت في المطالبة بإلغاء الاستفتاء و ليس تأجيله ، و أن ذلك كفيل بفتح الأفق أمام انفراج سياسي يحتاجه البلد و ظننت بادي الرأي أن لكلامي بعض الوقع ، و لكن الرئيس أوضح في النهاية أنهم تقدموا خطوات في موضوع الاستفتاء و لم يعد واردا التراجع عنه ، و رغم المعاودة و المناقشة ظل الرجل على موقفه و لكنه أوضح أن الاستفتاء سينفذ و بعده يقول : نرى أن نتواصل و ننظر ، و لكني كنت واضحا أن الأمر الأساسي عندنا كمعارضة و نراه معبرا عن المزاج الشعبي هو إلغاء الاستفتاء و قصدت أن لا أعلق على عرض التواصل و النظر بعد الاستفتاء .
و أثناء النقاش ذكرت نقاط مختلفة كان منها الشيوخ و تصويتهم ضد مشروع التعديلات الدستورية و كان التباين واضحا و أعاد ولد عبد العزيز في هذه النقطة اتهام الشيوخ و أننا نحن نعتبرهم أبطالا heros و هم يعتبرونهم غير ذلك .
فالحديث عن مطالب على النحو الذي ذكر غير دقيق ثم إن موضوع المعتقلين و المتابعين متأخر عن اللقاء فلم يكن واردا طرحه فيه !
كان اللقاء رغم التباين هادئا و اتضح أنه لم يخرج بنتيجة و أكثر من ذلك لم يعقب الاستفتاء على الأقل في الفترة القريبة منه أية مبادرة اتصال حسب ما ألمح الرئيس في لقائه معي بل حسب ما صرح .
أشير إلى أنني و أنا أعطي هذا الملخص عن اللقاء - بعد أن تحدث عنه رئيس الاتحاد من أجل الجمهورية الذي لم يكن من أطرافه حينها - كنت أفضل أن أبقيه سريا كما اتفق خصوصا أنه لم يحقق هدفا و لم يترتب عليه شيئ .
3 - رغم بعض مظاهر التردد في مسار المعارضة في هذا الموضوع و رغم بعض التوجس و الغموض التي تصنعها أجواء السرية فإن المنتدى الوطني للديمقراطية و الوحدة أو المبادرين باسمه أو " المبوهين " نيابة عنه بلغة الرئيس محمد ولد مولود أظهروا مسؤولية عالية و مرونة محسوبة و المسار الذي شرحه الرئيس محمد محمود ولد سيدي يشهد لذلك ، و لكن مشكلة الطرف الآخر ( السلطة و موالاتها ) أنه لا يريد معقولا و لا يقبل منصفا و تقديره أو رغبته أن يكتفي المنتدى بمندوب أو اثنين من أقارب أو مقربي زعيم هذا الحزب أو ذاك في لجنة الانتخابات ! أما تنازلات بحجم اللحظة الديمقراطية و خطوات تعطي مصداقية لمسار يحتاجها فليست في جدول أعماله للأسف ".
تصنيف: