التصدي بفعالية لتفشي الرشوة في عروق الهياكل الإدارية للدولة وفي البنية الاجتماعية والهيئات السياسية في بلدنا وغيره من الدول النامية، تستدعي تعبئة جميع الطاقات.
ووعيا منه بخطورة الظاهرة وتعقيدها وصعوبة محاربتها، فإن الرئيس محمد ولد عبد العزيز جعلها على رأس أولوياته بشكل لم يسبقه له أحد من الرؤساء السابقين. وذلك فور توليه السلطة سنة 2008. غير أن الطريق وعر وطويل جدا.. جدا...
واليوم، والبلد يتأهب لمسلسل انتخابي سيتمخض عن تناوب على الكرسي الرئاسي، فإن ولد عبد العزيز يعمل على إعطاء دفع جديد لمعركة محاربة الرشوة بشكل يكرسها بدرجة تجعل منها منهجا سياسيا لا رجعة فيه. هذا التوجه تمثل عمليا في مشروع مرسوم صادق عليه مجلس الوزراء المنعقد اليوم: "مشروع مرسوم يتضمن الاعتراف بالنفع العام لـ "المرصد الموريتاني لمحاربة الرشوة"، حسب نص بيان مجلس الوزراء.
ويضيف البيان حول الهدف المتوخى والرؤية الإستراتيجية التي ينم عنها:
"يترجم مشروع المرسوم الحالي إرادة السلطات العمومية تفعيل الإستراتيجية الوطنية لمحاربة الرشوة وذلك من خلال تعزيز دور المجتمع المدني والمنظمات غير الحكومية العاملة في هذا المجال."
وعملا بهذه الرؤية، فمن المنتظر أن تنشط وتتكاثر هيئات المجتمع المدني والمنظمات غير الحكومية المهتمة بهذا الحقل. مما قد يؤدي في النهاية إلى تغيير جذري في دوافع التنافس ومعاييره : فبدلا من أن يكون المحرك الأول هو السباق حول الرشوة والتلاعب بالمال والشأن العامين .. فإن تضافر الجهود المطلوب من وراء مشروع هذا المرسوم قد يؤدي إلى تنافس سليم مبني على أسس أخرى عمادها: الابتعاد عن الفساد والرشوة.. ومحاربتُهما.
وأيا كانت النتائج .. وأيا كانت التأويلات، فإن تجنيد المجتمع المدني والزج به في هذه الجبهة الخطيرة يُعدُّ وسيلة ناجعه لكنها تتطلب الوقت والصرامة الكافيين حتى تعطي أكلها، علما أن المفسدين وأنصارهم سيحاولون بكل ما أوتوا من قوة زرع الأشواك على الطريق بغية تحييد الرؤية عن مسارها وإفشالها أو على الأقل عرقلتها. وهم يعولون على بعض الساسة المناوئين للنظام وعلى المناورين الانتهازيين.
البخاري محمد مؤمل
تصنيف: