خلال متابعتي كأي موريتاني وأي مسلم للجدل الدائر حول ما يعرف قضائيا ب"قضية ولد امخيطير"، وصار يعرف في الشارع ب"قضية المسيء".. وما نجم عن تلك الإساءة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ..وعن توبة صاحبها.. من تجاذبات وشد ورد بين الناس- مهما كان نصيبهم من المعرفة والعلوم- حول الموضوع.. وتأويله شرعا وقانونا.. وتسييسه... تولد في ذهني سؤال لازمني بقوة لم تعد تسمح لي بحفظه لنفسي:
كيف ومتى يحق لأحد - أو جماعة - أن يقول عن نفسه " نحن العلماء"؟ ومتى يمكن أن يوصف المرء ب"العلَّامة"؟
فما هي المقاييس أو المعايير المستخدمة في كلتا الحالتين، علما أن الله عز وجل قال : { وَمَا أُوتِيتُم مِّنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا}.
ولا شك أنه من دوافع طرحي لهذا السؤال كوني كنت أتذكر باستمرار أن " لمرابط"، محمد سالم ولد عدود، تغمده الله برحمته الواسعة، كان يكرر هذه الآية في وجه مخاطبه قائلا : " بدل "العلامة" أو "العالم".. قل لي "لمرابط".
وعلى نفس النهج سار مؤخرا السيد يحيا ولد البراء أستاذ اللسانيات (علم اللغة) والباحث والمؤلف في الآداب والتاريخ وغيرهما، حيث سمعته يحتج بقوة على استخدام هذا النوع من العبارات للتعريف بالأفراد.. وقع ذلك خلال ندوة ثقافية نظمها " صالون الولي محمذن ولد محمودا" منذ أسبوعين تقريبا في مقر الصالون بانواكشوط. وكثيرا ما كنت ألقى في نفس الصاولون وفي اماكن اخرى ى خبراء وباحثين في العلوم الإنسانية والإسلامية لهم نفس السلوك الرافض لمثل هذه الأوصاف.
وعلى أثر احتجاج ولد البراء الشديد.. وعلى أثر متابعتي لردود فعل كثيرة مغايرة، متعددة الأشكال ومختلفة المصادر، تتعلق بموضوع الحكمين القضائيين الذين صدرا حول "قضية ولد امخيطير" ، راودني من جديد نفس السؤال السابق.. وبشكل أعمق هذه المرة :
أما كان أجدر بمن يقولون عن أنفسهم " نحن العلماء"، أو بمن يصفهم أقاربهم.. أو أصدقاؤهم.. أو المعجبون بهم ب" العلامة" أو ب"العلماء"، أن يعدلوا عن ذلك عملا بالآية السابقة الذكر واقتداء بتأويل "لمرابط" وأمثاله من العارفين بالإسلام.. وتواضعا منهم كما ينصح به خبراء العلوم الإنسانية ؟
هذا بالنسبة لمن هم على قدر كبير من المعرفة.. فما بالك بآخرين كثيرين سمحت لهم وسائل الاتصال الحديثة بأن يظهروا بسهولة على الساحة الإعلامية تحت راية "العلم والمعرفة" بالإسلام وبغيره دون أن يكلفهم ذلك الظهور جهدا كبيرا في تحصيل العلوم والمعارف؟!
وهل العلم في الشؤون الإسلامية بفروعها المختلفة (فقه، توحيد، أصول...) إن تحقق فعلا - أي إن تمكن حاملو رايته من كسب معارف واسعة حقيقية في جميع الميادين من الصعب نكرانها– يشكل في حد ذاته صفة أخلاقية إيجابية مجردة لا قيد لها؟
ألا يتطلب الأمر من حامل العلم إتباعا عن بينة يكون صاحبها- ليس عارفا جيدا بالنصوص الشرعية والقانونية فحسب، بل محيطا تماما كذلك بالوسط والظروف المختلفة التي تطبق فيها تلك النصوص وما يترتب عن ذلك؟
البخاري محمد مؤمل
تصنيف: