يعتقد مراقبون أن تكثيف تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي الناشط في منطقة الساحل الأفريقي من عملياته، يعد تعبيرا عن القلق من منافسة تنطيم الدولة الإسلامية الذي أوجد موطئ قدم له في المنطقة، ويحظى بدعم حركة بوكو حرام في نيجريا فضلا عن وجود للتنظيم في ليبيا.
وبدت القاعدة كأنها وقعت بين فكي "كمّاشة" تنظيم الدولة في شمال افريقيا وغربها، ولعل هذا ما دفعها إلى تنفيذ عمليتين مهمتين استهدفت فيهما مراكز حيوية يرتادها رعايا غربيون في عاصمتين محوريتين.
فقد تمكنت القاعدة من مهاجمة فنادق ومطاعم بكل من واغادوغو في بوركينا فاسو وباماكو في مالي، فضلا عن مهاجمة دوريات للجيش المالي والقوات الدولية "مينيسما" في إقليم أزواد شمالي مالي حيث كان التنظيم يبسط سيطرته قبل طرده عام 2013.
وحسب مراقبين فإن القاعدة تخشى على نفوذها ومصدر تمويلها الوحيد ألا وهو اختطاف الغربيين في منطقة الساحل وطلب دفع الفدية للإفراج عنهم، وذلك بفعل ظهور منافس قوي آخذ في التوسع والتمدد وهو بوكو حرام بعد مبايعته لتنظيم الدولة.
وفي خطوة عملية لإرسال رسالة إلى المنافس الجديد ولحكومات المنطقة وحلفائها الغربيين، اختطفت القاعدة زوجين من النمسا من شمال بوركينافاسو بالتزامن مع عملية الهجوم على فندق "سبلانديد" ومطعم "كابوتشينو" في واغادوغو.
تنافس فاقتتال
ورغم تمدد القاعدة وقوة نفوذها في منطقة الساحل فإن التنافس بات أمرا واقعا مع تنظيم الدولة.
وفي هذا الصدد يقول الخبير في شؤون الجماعات المسلحة محمد ولد أبو المعالي إن التنافس بين القاعدة وتنظيم الدولة في غرب أفريقيا بدا جليا منذ فترة، ومن أبرز تجلياته عودة مختار بلمختار زعيم كتيبة "المرابطون" إلى القاعدة لتقوية صفوف أنصارها في المنطقة على حساب تنظيم الدولة.
ويرى ولد أبو المعالي أن "التنافس بين التنظيمين تطور إلى اقتتال مفتوح في ليبيا وحرب إعلامية تقودها القاعدة في الجزائر ضد تنظيم الدولة"، موضحا أن الأخير بدأ في منافسة القاعدة بقوة بعدما حصل على موطئ قدم هناك، يتمثل في "قيادة المنطقة الوسطى بالجزائر" التي بايعت تنظيم الدولة وغيرت اسمها إلى "جند الخلافة في الجزائر"، فضلا عن مبايعة جماعة أبو الوليد الصحراوي في أزواد.
وأضاف أن هذا التنافس يحيط به وجود قوي لتنظيم الدولة في ليبيا ونيجيريا، وعلى ضوء هذه المعطيات على الأرض قرر قادة القاعدة تجاوز الخلافات بينهم وتنفيذ عمليات نوعية تثبت وجودهم كقوة أولى في المنطقة، بينما لا يزال تنظيم الدولة غائبا عن العمل العسكري في منطقة الصحراء الكبرى ودول الساحل.
"ولد محمد مؤمل: الصراع بين الجانبين في ليبيا تم حسمه لصالح تنظيم الدولة مما دفع مختار بلمختار إلى الهروب من ليبيا، لكن رجوعه إلى القاعدة تكتيكي. أما في مالي فلا تزال القاعدة مسيطرة"
القاعدة أقوى
من جانبه، يرى الخبير العسكري الموريتاني البخاري ولد محمد مؤمل أن ميزان القوى العسكري في منطقة الساحل يميل لصالح تنظيم القاعدة لعدة اعتبارات، منها الحضور في حيز جغرافي أكبر، والقدرة على التحرك وتنفيذ عمليات ظاهرها القوة لكنها تعبير عن ضعف، لأن الضغط المتواصل على تنظيم القاعدة جعله يرسل هذا النوع من الرسائل لالتقاط الأنفاس.
وأوضح ولد محمد مؤمل -وهو عقيد متقاعد- أن العمليات التي تشنها القاعدة هنا وهناك في عدد من بلدان الساحل والظهور الإعلامي لقادتها وآخره مقابلة أجراها يحيى أبو الهمام أمير منطقة الصحراء الكبرى التابعة للقاعدة مع صحيفة موريتانية، هدفها إعلامي بحت لتفادي شدة الضغط.
وأضاف أن الصراع بين الجانبين في ليبيا تم حسمه لصالح تنظيم الدولة، مما دفع مختار بلمختار إلى الهروب من ليبيا، لكن رجوعه إلى القاعدة "تكتيكي". أما في مالي فلا تزال القاعدة مسيطرة.
وأشار ولد محمد مؤمل في ذات الاتجاه إلى أن أبو الهمام نفسه اعترف في مقابلته الأخيرة أن إمارة الصحراء التي يقودها "ما زالت قوة عسكرية مستقلة".
يشار إلى أن منطقة الساحل الأفريقي تحولت إلى معقل للجماعات المسلحة مع بداية العام 2000 بفعل وضع داخلي متأزم في مالي حيث مشكلة إقليم أزواد شمال البلاد ومطالب الحركات الأزوادية بالحكم الذاتي.
كما ظهرت الجماعة السلفية للدعوة والقتال في شمال الجزائر، وتمكنت من شن عمليات خارج البلاد، قبل أن تتحول إلى تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي وتستقطب مزيدا من الشباب من بلدان الجوار المالي ومن خارجه. وتأسست في ذلك الظرف حركات مسلحة أخرى، قبل أن تستقبل المنطقة الضيف الجديد المتمثل في تنظيم الدولة.
حمد سالم-نواكشوط
المصدر : الجزيرة نت
تصنيف: