تعتبر واقعة رفض الشيوخ للتعديلات الدستورية من النظرة التحليلية السياسية و الموضوعية ظاهرة يمكن تفسيرها من جانبين سلبي من ناحية و ايجابي من ناحية أخرى.
فبالنسبة للجانب السلبي فهي انتكاسة للأمانة السياسية و العهد الأخلاقي من قبل شيوخ الأغلبية الذين صوتوا بلا من جهة و ظهور شرخ أو انقسام سياسي داخل الأغلبية و النظام من جهة أخرى,
و أما الجانب الايجابي فيتمحور حول نجاعة الديمقراطية الموريتانية التي برهنت على شفافية نظامها و احترامها للرأي الآخر و لو كان من داخل الاتجاه السياسي الواحد هذا بالإضافة إلى تطور قناعة البعض في التمسك بقناعاتهم و آرائهم و لو كان ذلك ضد توجهاتهم السياسية مما يعزز ديمقراطية الرأي و الرأي الآخر و هي ظاهرة صحية .
و بصفة عامة فان رفض التعديلات الدستورية من قبل الشيوخ مكننا من استخلاص بعض الأمور الأساسية بعضها ايجابي و بعضها الآخر سلبي و التي يمكن تلخيصها فيما يلي:
- أن الأخلاق السياسية في بلدنا لا تنبي على المبادئ و الصدق في أغلب الأحيان
- التوجه السياسي للأشخاص لا يرتبط بالمصلحة العامة و القناعة و إنما بالمصلحة الشخصية المرتبطة بالزمان والمكان
- عدم قبول البعض للغة الابتزاز و التهديد السياسي خاصة إذا كان ذلك يتعلق بأمور متعلقة بالمصالح الخاصة أو العامة
- سلبية وجود الأجنحة في النظام أو الأغلبية الحاكمة خاصة إذا كانت تلك الأجنحة غير منسجمة و تتصارع في الخفاء
- سلبية عدم التشاور و الحوار بين القمة في الأنظمة السياسية مع الداعمين و القواعد الشعبية في اتخاذ القرارات و التوجهات
- ظهور انقسام أو خلاف في الحزب الحاكم أو الحكومة الحالية أو عدم رضا البعض عنهما بسبب الاهانة و الازدراء أو الإقصاء و التهميش الذي يعاني منهم من قبلهما
- نجاح نظامنا السياسي في انتهاجه للديمقراطية الصحيحة في ما يخص الشفافية لتطبيقه و احترامه لقواعد التصويت السري و حرية الرأي
- الاستفادة من هذه التجربة السياسية الأولى المتعلقة بتصويت بعض الداعمين للنظام بلا على مشروع قانون مقدم من قبل الأخير
بعض الاقتراحات للخروج من هذه التجربة أو الهزة السياسية:
على النظام ممثلا أولا في رئيس الجمهورية و ثانيا في الحكومة و ثالثا في حزب الاتحاد من أجل الجمهورية
- أن لا نتعجل في ردة الفعل أي اتخاذ قرارات إلا بعد أن تعرف الأسباب الحقيقية لهذا التصدع السياسي في داخله
- السعي بشكل سريع في ترتيب البيت الداخلي للنظام بتصحيح الاختلال في كل من الحكومة و الحزب الحاكم و الأغلبية بصفة عامة
- عدم الخروج عن المسطرة القانونية التي ينص عليها الدستور في ما يخص هذه الحالة، لكي لا نرتكب خطأ قد يحسب علينا مستقبلا و يزيد من تعقيد الأمور
- تفعيل و تكثيف العمل السياسي و الحكومي في هذه الفترة لكي لا تؤثر هذه القضية على المكتسبات السياسية و التنموية التي حققها النظام الحالي بقيادة فخامة رئيس الجمهورية محمد ولد عبد العزيز للدولة و الشعب الموريتانيين
- الابتعاد عن التنافس السلبي في تحقيق الطموحات السياسية و الصراع الداخلي بين الأقطاب و الأجنحة و اللونيات خاصة في هذه الوضعية التي تتطلب رص الصفوف و نبذ الخلافات لتجاوز هذا الخلاف أو الانقسام الذي في حالة تواصله قد يؤثر سلبا علينا كنظام قائم أو أغلبية حاكمة
- الابتعاد عن بعض الأمراض كالكبر و العظمة الذين هما لله عز و جل وحده و كذا مسلكيات النفاق و التملق السياسيين و التخلي عن لغة الابتزاز و التهديد، بل و التخوين و تصفية الحسابات
- وضع الثقة في منح المسؤوليات للأشخاص المشهود لهم بالأخلاق و الصدق و النزاهة الفكرية و التسييرية و الذين يتمتعون بالشعبية و القبول الاجتماعي بدل المنافقين و المتملقين الذين لا يتمتعون بشعبية ولا يعرفون سوى التصفيق و الكذب لخداع النظام من أجل الوصول لمصالح شخصية متمثلة في التعيين و المصالح المادية
- حذف قضية تغيير العلم و النشيد الوطنيين من التعديلات الدستورية لأنها بصراحة حسب استطلاعات الرأي لا تحظى بقبول أكثرية الشعب الموريتاني و ذلك لضمان نجاح التعديلات الدستورية الأخرى في حالة التوجه للاستفتاء الشعبي أو التصويت البرلماني
المصدر : محمد محمود ولد أعل
تصنيف: