من المعروف أن المعارضة الموريتانية المتشددة المتمثلة في المنتدى الوطني من اجل الديمقراطية الوحدة قاطعت الحوار رسميا لكنها مع ذلك كانت تعقد عليه آمالا كبيرة من النوع الماكيافيلي لم تعلن عنها؛ غير أنها لا تخفى على المتتبعين للشأن السياسي في موريتانيا.
ويتبين اليوم أن تغيير أو إلغاء المادة الدستورية 28 المتعلقة بعدد المأموريات الرئاسية هي الزلة السياسية الرئيسية التي كان هؤلاء ينتظرونها من خصمهم منذ سنتين على الأقل ويعولونها عليها كثيرا. وكانوا يشهرونها دائما في كل مناسبة وبدون مناسبة معتقدين أن ولد عبد العزيز سيقدم عليها إن هم استفزوه دائما بشأنها. ولا شك أنه هو بدوره كان يأخذ لعبتهم في الحسبان : حنكته السياسية جعلته يتركهم يتخبطون في حساباتهم الخاطئة. وقد تدخل في إطار هذه المراوغات التكتيكية الخرجات الإعلامية لبعض وزرائه التي يبدون فيها آراءهم الشخصية ملوحين إلى إمكانية تغيير الدستور فيما يتعلق بالمأموريات الرئاسيات. تلك الخرجات التي كانت تعطي في كل مرة بعض "النفس" للمعارضة المتشددة حيث توفر لهم حججا تغذي خطابهم السياسي الممل بسبب فقره إلى الحيوية وإلى التجديد في المضمون والشكل.
أما اليوم فإن رئيس الجمهورية قد جعل حدا نهائيا لهذه اللعبة لما قال ليلة البارحة وهو يختتم الحوار بأن صفحة المأمورية الثالثة قد طويت بشكل نهائي، مضيفا أنه مقتنع بأن الدستور يجب أن يبقى كما هو دون تغيير، وخصوصا المواد المتعلقة بالمأمورية، مشيرا إلى أنه لا يخاف ولا يستحي من المطالبة بتغييره لو كان يريد ذلك.
وقد لقي خطابه موجة عارمة من التصفيق والزغاريد داخل القاعة، سواء من قوم المعارضة المشاركين في الحوار وسواء من طرف أعضاء الأغلبية. وكانت غمرة الفرح لدى هؤلاء الأخيرين مبررة تماما : الموقف الذي عبر عنه ولد عبد العزيز كان بدرجة من الوضوح والدقة لا يتركان مجالا لتأويلات أخرى فيما يتعلق برفض المساس بالمادة الدستورية 28. وبهذا فإنه خيب آمال خصومه الرادكاليين ـ مثل المنتدى وغيره ممن كانوا يعولون على هذا الأمر ويرفعونه دائما بوصفه أهم شعار لديهم لإحراج النظام. فعلي هؤلاء أن يبحثوا من الآن فصاعدا عن موضوع آخر يعطيهم نفسا سياسيا جديدا غير مسألة المأموريات التي تآكلت: هذا البساط تم سحبه كليا من تحت أقدامهم.
البخاري محمد مؤمل
تصنيف: