بعد يومين من وجودها في مستشفى الأم والطفل تتابعت المعاناة وازداد الألم ليحفر في القلب جرحا غائرا..
بدت الحالة طبيعية لحمل طبيعي كان في آخر شهوره وكانت صاحبته في آخر أيامها -دون أن تشعر-
لم يكن هناك ما يدعو للقلق و لم يظهر مع بداءة الحمل ما يشي بمقدار ذرة من خطر؛ كانت الفتاة اليافعة تعيش أيام حملها -الأول و الأخير- بكل حيوية ونشاط تمتلئ سعادة عندما تتحسس بطنها وهو ينمو لأول مرة ويتسع مع الأيام ويتفاعل مع كائن صغير يتخذ من دفئ المكان مخبأه الآمن ومرقده الناعم وعرشة المفضل؛ يتقلب داخله وينتعش بانتعاش أمه مع إشراقة كل فجر جديد، كان هذا الجنين مصدر النشوة وبارقة الأمل في من سيفقد دون إرادته كل الأمل عندما تحين لحظة الفرح وصون المؤمل؛ تلك الفرحة التي اغتصبها النقيض على يد من أتمن على تأمين الأمل وتسلل من باب القضاء على الألم!؛ نعم (تسلل) فالداخل من باب الطب عليه أن يتسلح بزواج الإنسانية بالمهنية قبل الشروع في مزاولة الخدمة الوظيفية؛
لم يكن الاستشفاء في بلادنا محل ثقة واطمئنان؛ ليس لعلة في الطب أصلا و لا لقلة في ممتهنيه عندنا، و لا لصد عون الحكومة عنه و لا لعزوف المواطن عن خدماته؛ وليته استغنى عن خدماته!!.
من المؤسف حد اجتراح الكبائر أن ترصد الحكومة أموالا طائلة لبناء وتشييد المرافق وتجهيزها بأحدث الأدوات وشحنها بالأسرة والكراسي؛ ثم تنقصها القفازات والإبر ومياه التطهير!! أم أنها وفرت؟{وهذا أكيد}لأنها أسهل توفيرا وأقل كلفة، ربما سرقت بعد توفيرها وبيعت تجردا من العاطفة والضمير و تشويها لجهد الراعي!.
لا يستساغ أن تصرف الحكومة أموالا طائلة مجمعة من شقاء و تعب دافعي الضرائب لسعادة ورغد عيش أطباء وممرضين؛ ينتظر منهم -وهذا واجبهم وله يسرهم الله بعد خلقهم- ينتظر منهم زرع البسمة و إحياء منابع الحياة؛ تلك الحياة التي يقتلونها-أولا- بغياب البسمة عن محياهم وهم يعالجون مرضاهم!
كيف تغيب عن أطبائنا طلاقة الوجه وتعابير الحنان التي يحتاجها المريض كحاجته للدواء و ترتسم على محيا أطباء اليهود و النصارى و البوذيين و المجوس!!؟
أيعقل أن تصل حالة صحية تستدعي الحجز و يتهاون الأطباء الموجودين في ذلك ويتدافعون المسؤولية ويستعينون على ذلك بالاختفاء خلف الوقت والساعة المناسبة! كل ذلك لغياب الأخصائي الذي لا يحضر قبل وقت الأصيل؛ و انتعاشه بافتراشه الحشايا بالعشايا، وتمنعه عن الرد على هواتفه رغم الطلب المتكرر و الإلحاح من طبيب (ة) يرافق المتضرر، لماذا يطالب (هذا) بزيادة المنحة والإكرام و المرضى يأتون إليه و إلى أمثاله أقوى و يعودون إما إلى المقابر بعد المنايا و إن لم تكن المنايا فرزايا نفض الجيوب و ضياع الجهود.. وقلة تكتب لهم النجاة من عبث الجزار!؟
من غير المقبول أن تتكرر الوفاة بنقص الأكسوجين في أكبر مشفى للأم و الطفل في البلاد؛ دون تحريك ساكن وفي غياب تام للمتابعة والعقوبة؟
أيحدث هذا و يمر دون شجب أو إنكار؟
كيف يتحول رعاة الحياة إلى موصلين للوفاة دون تمعر وجه أو قطب حاجبين؟
لماذا تغيب الرقابة بعد تأكد غياب الضمير و الوازع الديني وموت الإنسانية؟
إلى متى تهدر أموال الدولة ويستنزف ما بيد المواطن، رعونة وإهمالا وخيانة للأمانة وللساهرين على مصالح الوطن، و إعاقة لمشاريع الأمة المتطلعة إلى غد أفضل؟
رحلت أختنا الصغرى ورحل معها كثيرون خرجوا من ذات الباب؛ باب الإهمال و التضييع...
رحلت الفقيدة بصمت وهدوء و تركت رضيعة وليدة كما رحل عنها والدها قبل سنوات بذات الطريقة أو تكاد؛ وتركها طفلة رضيعة وليدة..وحسبنا في عزائها -رحمها الله- ورحم أباها وموتى المسلمين؛ حسبنا في ذلك كله أن مات الرسول -صلى الله عليه و سلم-
لا نقول إلا ما يرض الله -تبارك وتعالى- و لا حول و لا قوة إلا بالله العلي العظيم.
عثمان جدو
تصنيف: