يعترف احمدو ولد الوديعة ضمنيا بأن المعارضة التي ينتمي إليها تعيش وضعية سياسية غير مريحة تشكل عائقا مهما على سبيل مشاركتها في الانتخابات الرئاسية المقبلة. غير أنه يحاول أن يخفف كثيرا من الخطر لدرجة نفيه له نوعا ما، ملوحا بأن الأمر مجرد تشويش من صنع النظام واعوانه:
"النسبة الأكبر من النقد والتشكيك ونشر الأخبار غير الدقيقة عن خيارات المعارضة في الاستحقاق القادم، تأتي من صفوف النظام وداعميه"
ثم يعلل الوضع من منظور مخالف، معترفا بضعف المعارضة ومتمنيا وحدتها، فيستطرد، قائلا :
"... وتعبر في جوهرها عن شعور متزايد بقدرة المعارضة حين تتحد، أو يتحد طيف واسع منها على المنافسة الجدية."
إلا أن امنيته تبدو صعبة المنال، نظرا لعوامل التفرقة المتمثلة في تباين المصالح واختلاف الرؤى السياسية داخل المعارضة، كما يصنفها هو نفسه:
"بكل تأكيد هناك نسبة معتبرة ونوعية تأتي من تباين طبيعي في تقدير مصلحة المعارضة والوطن؛ وتقويم الفرص القائمة، وأفضل السبل لتوظيفها بما يحقق استحقاقات التناوب، وإعادة التأسيس."
ويلاحظ أن ولد الوديعة لما ذكر "الاستحقاق القادم" لم يشر من بعيد ولا من قريب إلى ترشح السيد محمد ولد الغزواني للرئاسيات المقبلة. بل تعمد عدم إثارة الموضوع رغم أنه الحدث السياسي الأبرز الذي يحتل الصدارة الآن، ورغم أن المعارضة تضررت منه.. ومن المتوقع أن تتطور أوضاعها إلى الأسوأ بسببه.
وكأن غض الطرف أمام الخطر تكتيك تعتمده المعارضة أو أطراف منها ريثما يأتيها الله بحل بديل هي في أمس الحاجة له !
وقد بدأت فعلا منذ إعلان ترشح ولد الغزواني معالم جديدة للانشقاق تبرز في صفوفها.. حيث غادرها قادة ورموز مهمون - مثل: السفير المختار ولد محمد موسى من حزب تواصل، ومحمد محمود ولد ودادي من التكتل، والاستاذ احمد سالم ولد بوحبيني من المنتدى... وغيرهم. وقد اعلن المنشقون عموما ولاءهم لولد الغزواني. ومن المفترض أن يحذو معارضون آخرون حذوهم.. وأن يتسع الشرخ في الأيام أو الأسابيع المقبلة ؛ أي : بعد اعلان مرشح- أو مرشحي- المعارضة للرئاسيات.
وفي ظروف سياسية غير مؤاتية كهذه.. عويصة ومتزايدة الصعوبة باطراد بالنسبة للمعارضة.. فإن محاولة ولد الوديعة طمأنة انصارهم والتخفيف من وقع الأزمة أمر وارد. إلا أنه من المستبعد أن تكون محاولته كافية. بيْد أن له فضلا على آخرين لم يحركوا ساكنا.. لكونه على الأقل حاول.
إذ ينطبق عليه ما قاله ولد الغزواني لما تحدث عن رؤساء موريتانيا خلال خطابه الذي أعلن فيه ترشحه مساء يوم الجمعة الماضي : "فمن اجتهد منهم وأصاب، فله أجر.. و من اخطأ، فله عذر" على حد تعبير الرئيس المقبل للبلد حسب كل التوقعات. والعذر هنا صارخ في حالة ولد الوديعة: يُستشف من ردود الفعل الأولية، السياسية والشعبية، على ترشح ولد الغزواني، أن التصدي لهذا الرجل ليس بالأمر اليسير.. والسبب لا يعود إلى ضعف المعارضة الهيكلي والظرفي المتزايد بقدر ما يعود إلى القوة الكامنة لخصمها.
فخلافا لكثير من السياسيين في البلد، فإن ولد الغزواني معروف بعمقه ورزانته وبقدراته الفائقة على الإصغاء...وهذه الخصال وغيرها جعلت منه شخصية وطنية جذابة تتوفر على شعبية كبيرة. وقد ترسخت هذه الصورة الممتازة في أذهان الناس على إثر خطابه الأخير. ولا شك أن صدور برنامجه الانتخابي في الأيام أو الأسابيع المقبلة سيعززها أكثر. إلا أنه علينا نحن أنصار ولد الغزواني أن نعمل بحزم وعزم في هذا السبيل حتى لا نترك ساحة المعركة السياسية شاغرة لخصوم ماكرين يتحينون بنا الفرص ويتربصون بنا الدوائر.
البخاري محمد مؤمل (اليعقوبي)
تصنيف: