لم تذكر الوكالة الموريتانية للأنباء (و م أ ) أن الرجل من أشد معارضي النظام الحاكم في موريتانيا.. ولا أنه كان إلى عهد قريب الذراع القانوني الأيمن لرجل الأعمال محمد ولد بوعماتو؛ ورغم ذلك فإنه ظل دائما يبدي استقلالية جديرة بالاحترام والتقدير، بل لم يكن يخفي خيبة أمله بشأن مواقف حلفائه في المعارضة المتشددة.. خيبة أمل تطورت بشكل مطرد حتى بلغت ذروتها اليوم حين اعلن منذ أسابيع قطيعته التامة معهم في رسالة مطولة اختتمها قائلا:
" (...) وإنني لعلى يقين، لا يخامره أدنى شك، أن في المعارضة رجالا ونساءا خيّرون ناضلوا بإخلاص وقدموا تضحيات جساما من أجل الإصلاح. لكنني على العموم لست راض عن أداء المعارضة في كل تفاصيله، ولست مقتنعا بأسلوبها، كما أنني لا أومن بفهم زعاماتها الجامد للديمقراطية والتناوب، وبالتالي فإنني أنسحب، بكل بساطة، من مسار
منتداها لأنه لا يمكنني المضي في أي توجه لا أثق فيه، خاصة إذا كان عبثيا وغير جاد. إذن بما أن قادة المعارضة رفضوا الاستماع لآرائي أو أخذها في الحسبان، وبما أنهم يرفضون إجراء تحسينات على أسلوب المعارضة وفهمها للمرحلة، فقد قررت عدم المشاركة في أي نشاط سياسي لا يتماشى مع قناعاتي. والله أرجو التوفيق "
( انظر : ولد بوحبيني يشن غارة قاتلة على المعارضة)
وقد استخدم ضمير المتكلم أكثر من مأئة وستين مرة في رسالته.. وفي كل مرة كانت تهمه للمعارضة قوية وشديدة. و يذكرنا هذا الاسلوب الهجومي الذي يحاول صاحبه اقحام الخصم بكل ما أوتي من قوة بيان مع تحمله مسؤولية العواقب الناجمة عن ذلك... يذكرنا بمقالة الكاتب الفرنسي إميل زولا الشهيرة، حول قضية النقيب دريفوس : " J’accuse" -( أنا اتهم)- التي صاغها في شكل رسالة يحذر فيها ويعاتب بشدة الحكومة الفرنسية ورئيسها، مثلما عاتب ولد بوحبيني حلفاءه السياسيين السابقين.
وسبق لموقع موريتانيا المعلومة أن نشر منذ قليل المرسوم الرئاسي الصادر صباح اليوم والمتضمن تعيين الأستاذ أحمد سالم بوحبيني على رأس اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان.
ومن المتوقع أن تعيين الأستاذ ولد بوحبيني على رأس هذه الهيئة سيعزز اسقلاليتها ومهنيتها لأنه حقوقي بطبيعة تكوينه وعمله كمحامي.
ومن ناحية أخرى قد يرى سياسيون ومراقبون في هذا الأمر صفعة تلقتها المعارضة المتشددة.. وبصورة خاصة ضربة موجعة لرجل الأعمال محمد ولد بوعماتو الذي كان ولد بوحبيني أهم المحامين الموريتانيين المتعاملين معه غير أن الخلاف السياسي بين الرجلين يبدو اليوم عميقا جدا.
وأيا كانت التأويلات أو العواقب السياسية لهذا التعيين، فإن أول استنتاج يتبادر إلى الذهن هو : مهنية ولد بوحبيني وطبيعة وظيفته الجديدة تجعلان منه الرجل المناسب في المكان المناسب.
البخاري محمد مؤمل (اليعقوبي)
تصنيف: