نال الاستماع للرجل- أو على الأصح الاستمتاع بردود الفعل الكثيرة والمتفاوتة في أهميتها ومغزاها حول ترشحه- قسطا كبيرا من اهتماماتي كمناصر ومساند له وكمتابع للمشهد السياسي والإعلامي؛ ومن المفارقات التي لاحظت أنه أثار تعاملا مع المشهد تتباين طبيعته ووتيرته كثيرا: من جهة أعطى دفعا قويا.. وأنعش آمالا كبيرة في أوساط عريضة من الناس والفاعلين السياسيين؛ ومن جهة أخرى تسبب في فتور لدى الفاعلين من الطرف الآخر يكاد يكون مميتا.
كثيرون فعلا هم المواطنون والمدونون والمعلقون الذين أبدوا آراءهم بوضوح وبطرق متعددة يمتزج فيها الحماس والطرافة والجدية.. بينما يوجد سياسيون آثروا السكوت وعدم الوضوح مما يجعل موقفهم كمنافسين وضعفهم لا يخفيان على أحد.. والرسم السابق وأسلوبه الكاريكاتوري يلخص تماما حالة وجهي الصراع السياسي الرئيسيين - الموالاة والمعارضة- والتباين الشديد في ميزان القوة بينهما.
صحيح أن الناس بشكل عام يرون في محمد ولد الشيخ محمد احمد الغزواني زعيما سياسيا يبعث على الأمل ورجلا خلوقا جديرا بالثقة.. وبهذا المعنى فقد صدق من قال بأنه غزا عقول المواطنين.
ومن جهة أخرى فقد زاد إعلان ترشحه بشكل رسمي والطريقة التي تم بها من ضعف المعارضة وتعثرها بصورة كبيرة لدرجة أن ارتباك خصومه السياسيين حال دون صدور أي تصريح أو ردة فعل واضحة منهم حول الحدث. فصوتهم خفَت بشكل مثير.. بل لم يعد له صدى سوى ما يعبر عن عجزهم وتعثرهم وصراعاتهم الداخلية العقيمة التي أظهرها بعضهم كردة فعل على الخطاب الجيد الذي ألقاه محمد ولد الغزواني. وهذه الحيرة تنطبق عليهم جميعا: سواء من ابدوا منهم "إعجابهم" بالخطاب أو الذين انتقدوا ذلك الإعجاب الصادر عن قومهم في المعارضة.
والسبب لا يكمن في ضعفهم بقدر ما يتمثل في قدرة الخصم: خطاب ولد الغزواني - بوصفه خرجته السياسية والإعلامية الأولى- كان حقا بمثابة "ضربة مُعلِّم" كما يقول لاعبو الشطرنج.. وكما كتب موقع موريتانيا المعلومة مُعنوِنًا نص الخطاب.
إلا أن المعركة السياسية لم تقطع بعدُ سوى خطوتها الأولى.. والطريق إلى الرئاسة طويل ومتعثر. ولا شك أن المعارضة ستحاول استدراك الموقف بعد الضربة المؤلمة التي تلقتها مساء أمس. وهنا يكمن الوجه الثالث لما بعد الخطاب. وينبغي على الطرف المقابل أن يأخذه في الحسبان وبكل جدية. بمعنى أنه يجب على فريق حملة ولد الغزواني وأنصاره أن لا يفتروا عن العمل الجاد حتى لا يعطوا لخصومهم فرصة يستغلونها لاسترجاع النفس وكسب طاقة سياسية جديدة قد تشكل خطرا عليهم وعلى مرشحهم.
صحيح أن المعارضة ضعيفة إلا أن التعويل على ضعفها لا يكفي وحده. وإلا فإن منافسيها إن هم اكتفوا بذلك.. وشبَّكوا سواعدهم واتكوا على أرائكهم ينتظرون يوم التصويت معتقدين أن فوز مرشحهم حتمي دون أن يكلفوا انفسهم عناء الجهود المطلوبة.. سيلقون لا محالة مفاجآت غير سارة على الإطلاق. الأمر الذي يجب علينا منذ الآن العمل باستمرار من اجل تحاشيه.
البخاري محمد مؤمل (اليعقوبي)
تصنيف: