كأي إنسان في العالم أنتمي إلى وطن احمل جنسيته واعتز بها.. ووطني هو موريتانيا ولا أريد به بدلا. في حين امتاز مثل ساكني المناطق الحدودية بأن لدي علاقات اجتماعية وعاطفية تربطني بالبلدان المجاورة. ويعود تاريخيا عمق علاقات الجوار فيما يخصني إلى انتماء جغرافي وحضاري ورثته عن أجدادي الذين عاشوا يتنقلون في الصحراء. وذلك منذ زمان بعيد لم تكن حينها وحتى منتصف القرن الماضي منطقة تواجدهم في هذه الربوع الشاسعة محكومة كما هو الحال اليوم بالقوانين والنظم العصرية المحددة لمفهومي الجنسية والسيادة الوطنية الذين تسببا في تقسيم الحيز الجغرافي لقبيلتي بين دول متعددة.
ونتيجة للاكراهات القانونية والسياسية الناجمة عن إنشاء دول عصرية بحدودها الحالية في منطقة المغرب العربي والساحل، وعن متطلبات التنمية والحياة، توزعت- من حيث التجنس- مجموعتي القبلية وأسرتي[i] إلى هويات وطنية متنوعة: مغاربة، جزائريين، نيجيريين، موريتانيين، صحراويين... رغم أن الهوية الوطنية الصحراوية، بوصفها انتماء إلى دولة بهذا الإسم (الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية)، غير معترف بها لدى الأمم المتحدة.. وأن الصحراء الغربية في معظمها خاضعة لسيادة الدولة المغربية التي تعتبرها جزء لا يتجزأ من المملكة. مما جعل إشكالية الجنسية والحالة المدنية لها وقع خاص في هذه المنطقة المتنازع عليها والتي تعَوَّد سكانها وسكان المناطق المجاورة والمماثلة لها، منذ قديم الزمان وحتى إنشاء الدول العصرية الراهنة، الترحال دون مراعاة أي عوائق أو حواجز حدودية ايا كان نوعها.
وكذلك في المناطق الحدودية الأخرى، داخل موريتانيا وخارجها- في الجنوب مع السنغال وفي الشرق مع مالي- فكثيرا ما يؤدي التنوع في الجنسية داخل وسط قبلي أو فئوي واحد – وحتى أسري - إلى عقبات تعرقل التواصل نوعا ما بين الناس.. وتخلق اكراهات ضاغطة. لكنها بالمقابل تشكل مصدر ثراء لا يستهان به.
وللتعاطي بشكل سليم مع القضية، فلا مفر اليوم من التقيد بالقوانين والنظم المسيرة للجنسية وشروط الحصول عليها في كل من البلدان المعنية. بعض الدول تسمح بازدواجية الجنسية أو تعددها وفقا لضوابط وشروط قانونية وإدارية دقيقة ومحددة. فعلى سبيل المثال، يجوز للمرء في موريتانيا، بالإضافة إلى امتلاكه جنسية البلد، الحصول على جنسية أخرى بقرار من رئيس الجمهورية.. وبعد تقديمه ملفا مقبولا ومصدقا من طرف وزير العدل.
صحيح أن مواطنين كثيرين من ساكنة المناطق الحدودية يستاءون نوعا ما من هذا الوضع واكرهاته ويطمحون للحصول بسهولة على جنسيات الدول التي يتحركون داخلها وبينها أو الحصول على تراخيص أو وثائق أو آليات أخرى تسهل تنقلهم عبر الحدود من بلد إلى آخر.. وفي هذا السبيل يقوم بعضهم بمحاولات تدفع بهم أحيانا إلى خوض مغامرات غير قانونية هم في غنى عنها. والمؤسف في الأمر أن مسؤولين وموظفين في الإدارة وسياسيين يغضون الطرف عنهم، بل يتآمرون معهم ويغالطونهم، رغم ما في الأمر من مخاطر عليهم وعلى الوطن وعلى المنطقة باكملها، خاصة فيما يتمخض عن هذا النوع من السلوك المخل بالقانون- بل والإجرامي أحيانا- من تعقيدات وتحجيم للتحديات الأمنية العابرة للحدود.
وهذا ما أراد مرشح الرئاسة محمد ولد الغزواني إزالة أي غموض بشأنه وتفاديه. فأعلن بكل وضوح وشجاعة الموقف السليم القائم على التشبث بسيادة الدولة والقانون والذود عنها.. وعلى عدم مخادعة المواطنين. بل اصر على توضيح الأمور لهم وللناس اجمعين بصراحة وشفافية لا يتركان مجالا لأي لبس.
فهنئيا مرة أخرى لمرشح الإجماع الوطني على الروح القيادية العالية التي يتحلى بها وعلى ما يبذله من جهد تربوي قويم يحترم الناس ويجعلهم على مستوى واحد من الاطلاع والمسؤولية، خاصة فيما يتعلق بالقضايا الحساسة والشائكة.. ومن بينها مسألة التعاطي مع الملفات المتعلقة بضبط الحالة المدنية.. وبالأمن بشكل عام.
البخاري محمد مؤمل (اليعقوبي)
[i] بعض أبناء أخي الكبير، (محمد ولد محمد مؤمل – المعروف بلقبه "محمد ولد الخراشي" - تغمده الله برحمته الواسعة)، مغاربة؛ وبعضهم موريتانيون. وكل واحد منا راض بجنسيته رغم ما في القضية أحيانا من اكراهات عابرة يتعرض لها بعض افراد الأسرة على طرفي الحدود.
تصنيف: