كان المعارض الراديكالي الذي حرمه التشدد فرصة المشاركة في الحوار الوطني ليدافع عن آرائه وتصوراته أمام الجميع ويساهم في صياغة الاصلاحات المقترحة يعيش اليوم بين نارين: محاولة تكرار تجربة الدعوة إلى رحيل النظام الفاشلة بتغذية وتحريض مبادرات ظرفية <مانية>: (ماني مصوت-ماني شاري كزوال-ماني كابل تغيير الدستور...)،مبادرات تتعمد الانحراف عن نهج الاحتجاج السلمي المشروع عل عمليات تمثيل (أبروفات) تحاكي بشكل كاريكاتوري مشاهد العنف التي عصفت بشعوب ودول عربية شقيقة،تحدث ما عجزت عنه المسيرات <المليونية> واعتصامات <ساحة ابن عباس>،ونار التفرج على نزيف وتآكل الأحزاب الراديكالية بفعل تنامي وعي مناضليها بعبثية وخطورة الانخراط في<الثورة المانية> ولزوم القطيعة مع سياسة المقعد الشاغر والتشبث الصبياني بمبدأ الكل أو لاشيء ، في حين كان المعارض المحاور متوجسا خائفا من أن لا تكون نتائج الحوار في حجم آماله وتوقعاته.
أما المؤيد الداعم للنظام فقد كان يضرب أخماسا بأعشار ويسائل نفسه: كيف أعتلي المنابر مبررا ومسوغا لزوم التراجع عن دسترة وتحصين مبدأ التداول السلمي على السلطة وقد تعودت أن تسبقني ثمار ومفاعيل إنجازات السيد الرئيس محمد ولد عبد العزيز وقراراته التاريخية إلى قلوب ألمواطنين فاكتفي بالإشارة إليها شاهدة ماثلة أمام أعينهم فأنال رضاهم وأصواتهم بكثافة وعفوية وحماس،وهي القرارات المؤسسة دائما على ما يشكل نقاط إجماع وطني غير قابلة للتأويل.
لقد جاء خطاب فخامة الرئيس محمد ولد عبد العزيز المختتم للحوار الوطني، ليشكل نفحة أكسجين ضرورية للجميع، للمعارض المقاطع للحوار ولذلك الذي شارك فيه، وللمؤيد الداعم للنظام، تمكن الجميع من مراجعة مواقفه ضمن ظروف وشروط ملائمة ، حين أكد فخامته عزمه على إنفاذ مبدأ التداول السلمي على السلطة ورفضه قبول تغيير الدستور لمصلحة شخص ووقوف الدولة بحزم أمام كل المحاولات لجر بلدنا إلى أتون العنف الذي دمر شعوبا ودولا شقيقة،مطالبا الجميع بالتعاون على تطبيق مخرجات الحوار الوطني المؤلفة مما اتفق عليه المتحاورون في الفترة من 29 ديسمبر إلى 20 أكتوبر 2016 وحصيلة الحوار التمهيدي لسنة 2015 وما لم يستكمل تنفيذه من مخرجات حوار 2011 .
وضمن هذه الحصيلة كل طموحات الشعب الموريتاني لتطوير نظامه السياسي الديمقراطي،الأمر الذي يحتم على النخبة السياسية بكافة أطيافها الدخول المباشر في العمل لتجسيد مخرجات الحوار الوطني و القطيعة مع نهج التدابر والمزايدات العقيمة ومحاولات استنساخ تجارب الفوضى المهلكة التي أهلكت النسل والحرث في بلدان عربية وإفريقية شقيقة نعاني عبر حدود بلدنا من تطاير شظايا نيرانها وتستنزف مواردنا المالية .
المصدر : محمد سالم محمودن
تصنيف: