مفارقات الإسلام السياسي في موريتانيا واصداؤه في الخارج: هكذا يجمع النظام الماليزي بين النقيضين.

كثيرا ما يقتصر الناس عبارة "الإسلام السياسي" على حركة "الإخوان المسلمين" والتيارات التي تتحرك تحت راية "السلفية" أو توصف بها. غير أن المصطلح ينطبق على كل من يهتمون بالشأن العام ويوظفون معارفهم الإسلامية في ذلك السبيل أيا كان هدفهم وعلاقاتهم مع الأنظمة الحاكمة  أو كان تعاطيهم مع المنظومات القيمية السائدة .

 فمنهم "الراديكاليون" و"المتشددون". ويصنف جزء كبير منالإخوان المسلمين من طرف البعض ضمنهم؛ تصنيف ينطبق بصورة خاصة على زعاماتهم الروحية ومنظريهم المثيرين للجدل، مثل : الشيخ القرضاوي، الشيخ محمد الحسن ولد الددو، محمد المختار الشنقيطي وغيرهم.    

وقد يدفع التشدد بالقادة الإسلاميين الراديكاليين، إخوانا كانوا أم سلفيين أم من طوائف أخرى،  إلى اعمال متطرفة أو إلى الدعوة إلى حمل السلاح ضد النظام والمنظومات القائمة. وحينها فإن تصنيفهم يصبح مرتبطا بالعنف والحروب التي يقومون بها أو يدْعون إليها و يختزل اليوم كم ما يقومون به وما يتعلق بهم في كلمة "إرهاب" رغم تعدد اشكالهم وأساليبهم وتنوع محفزاتهم وتباين ظروفهم، ورغم ما يحيط بمفهوم الإرهاب من جدل.

 وفي الطرف المقابل، يوجد "المعتدلون" و"الوسطيون". ولا يشكلون موضوع إجماع بشكل مطلق رغم أنهم يدعون إلى السلم ويتبنون الحوار منهجا لحل الخلافات وتجاوز العقبات الناجمة عن التباين في الرؤى ووجهات النظر مع قبولهم للرأي الآخر. وفي هذا الصنف يتردد كثيرا اسم العالم الموريتاني الشهير الشيخ عبد الله ولد بيه بوصفه حاملا راية السلم الديني والسياسي على مستوى البشرية لحد وصفه ب "شيخ السلم". وقد منحه ملك ماليزيا السلطان عبدالله رعاية الدين المصطفى بالله شاه منذ ساعات "جائزة العام الهجري الجديد" تقديرا لجهوده في "نشر العلم وقيم السلم والتسامح والتعايش والتأثير الإيجابي في العالم".

(انظر : ماليزيا تختار العلامة عبدالله بن بيه " كافضل شخصية اسلامية")

ومن جهة أخرى أكدت مصادر إعلامية عديدة أن رئيس وزراء ماليزيا السيد مهاتير محمد التقي في شهر يوليو الماضي في تركيا بالشيخ محمد الحسن ولد الددو الذي يسلك نهجا مغايرا يقوم على دعم وتكريس رؤية الإخوان المسلمين التكفيريين أحيانا مثل المصري الشيخ وجدي غنيم الذي كفر الرئيس التونسي الراحل باجي قائد السبسي مثلما كفره ولد الددو. وقد بلغ الخلاف بين  الإخوان وولد بية درجة حدت بالسيد محمد المختار الشنقيطي إلى التهجم بعنف عليه.

(انظر: الشاب الشنقيطي يهاجم بشده الشيخ والعالم الكبير عبد الله ولد بيه.. هل هو نسي؟!)

إلا أن ما صدر عن الشنقيطي لا يمثل بالضرورة رأي ولد الددو. بل على العكس: فإننا نستبعد تماما أن يتلفظ هذا الأخير بكلام من هذا النوع  في حق عالم من طينة ولد بيه.

ونذكر بمفارقة سلوكية كبيرة أخرى بين الرجلين: الشنقيطي، إن بدا متشددا وعنيفا تجاه ولد بيه، إلا أنه طالب بتخفيف العقوبة ضد ولد امخيطير "المسيء" إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم.. و دعا إلى إعادة تأطيره والعمل على تهذيبه بدل معاقبته جزائيا، خلافا للشيخ محمد الحسن ولد الددو الذي دعا إلى قتله حتى وإن تاب، أي أن كفة التشدد مالت في هذه الحالة إلى جانب ولد الددو.

 مما يعني أن درجة الانسجام الفكري- بين الزعامات الروحية والإيديولوجية لحركة الإخوان والطوائف والحركات الإسلامية الأخرى- ليست صلبة كما يعتقد البعض. بل تتأثر بالدوافع الشخصية لكل فرد وظروفه الذاتية. وعلى أساس هذا التفاوت، يتم التعامل مع حملة راية الإسلام السياسي. وربما يكون هذا هو السر في كون الدولة الماليزية تبني علاقات ودية مع الأطياف المختلفة والمتصارعة أحيانا.

البخاري محمد مؤمل ( اليعقوبي)    

تصنيف: 

دخول المستخدم