الإيمان بالقضية هو السلاح المشترك بين حزب الله وحماس وحلفائهما من طوائف المقاومة المسلحة الفلسطينية؛ ويعوض إلى حد لا يستهان به عدم التكافؤ الكبير في ميزان القوى بينهم مع إسرائيل، لكنه لا يكفي وحده لتحقيق نصر عسكري حاسم لا غبار عليه.
فعندما يغيب عنصر المفاجأة في عملية عسكرية يقوم بها الطرف الضعيف ضد عدو يتفوق عليه كثيرا في العتاد والسلاح، فإن النتائج ستكون على مقدار ما للضعيف من وسائل متواضعة وما يتحلى به من إيمان بقضيته. الشرط الأخير متوفر، كما أسلفنا، إلى درجة عالية في طوائف المقاومة المسلحة التي تواجهها إسرائيل في فلسطين، وفي لبنان، وفي مناطق أخرى من الشرق الأوسط.
وهو أهم ما تنبني عليه ردود الفعل "القوية" التي يتوعد عادة بها حزب الله إسرائيلَ وتلك التي تصدر عن إيران وعن حماس على أثر اغتيال النظام الصهيوني عناصرَ رئيسية في قياداتهم العسكرية والسياسية. وتتجدد تلك التهديدات الآن ثأرا لكل من الشهداء: فؤاد شكر القائد العسكري لقوات حزب الله، إسماعيل هنية رئيس المكتب السياسي لحماس، محمد الضيف[i] قائد كتائب عز الدين القسام؛ واللائحة- لا قدر الله- قد تطول مع الأسف الشديد في الأيام أو الأسابيع القادمة.
لكن ردود الفعل التي تم التوعد بها، سواء من طرف نصر الله أو من طرف "المرشد الأعلى للثورة الإسلامية"- السيّد عليّ الحسينيّ الخامنئيّ-أو غيرهما من قادة المقاومة وحلفائها، سيكون من الصعب، لكونها تفتقد لعنصر المفاجأة، أن تخرج كثيرا عما ألفناه في الماضي: إطلاق قذائف وصواريخ تشهد على ديمومة واستمرارية المقاومة المسلحة وعلى تحسن في وسائلها وأدائها، وتلحق أضرارا بإسرائيل. لكن من غير اليسير أن تسمو إلى مستوى الانتقام من الخسائر البشرية الفادحة التي ترُد عليها، لأن قوى الاحتلال المستهدَفة وحماتَها الأمريكيين وحلفاءها من الغرب واعوانها من الدول الأخرى يتوقعون الموقف وينتظرونه وهم على أشد التأهب والاستعداد لمواجهته واتخاذ الإجراءات الاحترازية من الهجمات المضادة المرتقبة. وهو ما لم يقع بتاتا في "07 أكتوبر" الماضي.
فحينها، لم يترك الطابع الفجائي الكامل لعملية "طوفان الأقصى" فرصة لإسرائيل للاحتماء من ضربات المقاتلين الفلسطينيين المباغتة من البر، ومن البحر، ومن الجو. فكانت النتيجة كما شاهدها العالم: هزيمة نكراء لجيش إسرائيل الذي "لا يُقهر"، ونجاح عسكري باهر لا سابق له سجله الطرف الفلسطيني. متى وكيف سنشاهد عملية بذلك الحجم المذهل من المباغتة للعدو الإسرائيلي؟
البخاري محمد مؤمل (اليعقوبي)
[i] لم تعلن لحد الآن حماس عن وفاة محمد الضيف. بل نفتها في البداية منذ أيام، ثم أعلنت منذ أمس، ردا على تأكيد إسرائيل قتله، أن حماس هي الطرف الوحيد المؤهل لاعلان استشهاد قادتها ومقاتليها. لكنها لم تنف من جديد موت قائد جناحها العسكري.
تصنيف: