بادرنا في موقع موريتانيا المعلومة إلى معرفة المزيد حول ترشح الأستاذ إبراهيم ولد ابتي لمنصب نقيب هيئة المحامين الموريتانيين؛ وما إن اتصلنا بالمعني وشرحنا له غايتنا، حتي لقينا منه استجابة سريعة جعلت منا أول وسيط إعلامي يحاوره حول ترشحه بغية الوقوف على مغزى قراره وخلفياته.
فأجرينا معه المقابلة التالية.. وجرى حديثنا معه عن بعد، بسبب الإجراءات الاحترازية التي تستدعيها متطلبات الوقاية والحذر من جائحة فيروس كورونا. وطال الحديث مواضيع شتى: جائحة كوفيد 19، احتمال تأجيل انتخاب النقيب إلى ما بعد الأزمة الصحية العالمية، ظروف ترشحه، برنامجه... إلخ.
ورغم أن لقاءنا كان افتراضيا، أي عن بعد، فقد طغى على أجوائه نوع من الأريحية يتحلى به محدثنا بالإضافة إلى تمكنه العميق من المواضيع والملفات المطروقة. وهذا ليس بالغريب على مهني كبير من عياره عاش أكثر من ثلاثين سنة بين أروقة وقاعات المحاماة والعدالة وما يدور يوميا في فضاءاتها المختلفة من تبادل ومناظرات قانونية وفكرية.
موريتانيا المعلومة:
لدينا عدة أسئلة، بعضها يتعلق بظروف ترشحكم وإعلانه وأكثريتها حول برنامجكم. وسوف نبدأ بظروف ترشحكم
في الوقت الذي تنكب فيه الأنظار جميعها نحو مواجهة تحدي أزمة فيروس كورونا.
هل ترون أن ظروف الأزمة الصحية العالمية الراهنة ملائمة حقا لإعلان ترشحكم، علما أنكم لم تشيروا إليها في بيانكم ؟ ألا ترون أنه في ظل المخاوف وعدم الاستقرار الناجم عن الجائحة ينبغي التفكير في تأجيل انتخاب العميد إلى ما بعد الخروج من الأزمة؟
ذ. إبراهيم ولد أبتي:
لقد أعلنت فعلا ترشحي في ظروف يطبعها هذا الوباء بدرجة قوية- وقانا الله من بأسه- الذي يعيشه العالم بأسره.. والذي مس بلادنا. لكن بشارة طلعت صباح اليوم*، حينما أعلنت وزارة الصحة أن الكشف الطبي الذي أجري على آخر مصاب بالفيروس كان سالبا.. مما يعني خلو بلادنا الآن من الجائحة.. ورغم ذلك، فهذا الخطر يشكل أولى اهتماماتي. وقد عبرت عن ذلك سابقا لما كنت ضيفا على برنامج تلفزيوني في قناة "المرابطون" حول هذا الموضوع بالذات، و كنت فعلا واضحا جدا. إذ قلت أننا جميعا في موريتانيا، مواطنين وحكومة، مجندون جميعا للوقوف معا ضد هذا الوباء.. وهذا عملا بالتوجيهات والتعليمات الصادرة عن الجهات الصحية والجهات الأمنية. لأن الأساسي اليوم هو حماية الحدود و منع عبورها، وضبط التعليمات المتعلقة بالتباعد الاجتماعي بشكل يحول دون انتشار الفيروس. فبالنسبة لي أولوية الأولويات تكمن في هذا الجانب، أي: تفادي كل ما من شأنه أن يؤدي إلى تسرب وانتشار الوباء داخل بلادنا.
وحول ترشحي في هذه الظروف، أؤكد أنه إذا استمر خطر الوباء على هذه الصورة–لا قدر الله ، فإن التجمع من أجل الانتخابات سيصبح مستحيلا. وحينها ستضطر الهيئة الوطنية للمحامين إلى تأجيلها. لكننا نرجو من الله العلي القدير أن يفكنا وأن تعود الأمور بسرعة إلى مجراها. لكنني أكرر أن أولوية الأولويات بالنسبة لي في الظرف الراهن هي الوقاية وتجنب أي شيء من شأنه أن يتسبب في المرض من قريب أو بعيد بما في ذلك تأجيل الانتخابات إن دعت الحاجة لذلك.
موريتانيا المعلومة:
أعلنتم برنامجا يقوم على ستتة محاور رئيسية، على رأسها ورشتان:
- العمل على استقلالية الهيئة بإبعادها عن التجاذبات المختلفة: السياسية ، الإيديولوجية، الجهوية، القبلية،
- إقامة شراكة مع وزارة العدل.
بالنسبة لهذين المحورين، ما هو الوضع الحالي وما هو الجديد الذي ستأتون به ؟
ذ. إبراهيم ولد أبتي:
حول استقلالية الهيئة الوطنية للمحامين وقضية الشراكة مع وزارة الصحة، فهذان محوران أساسيان بالنسبة لي كمترشح لنقيب هيئة المحامين.
فموريتانيا مع الأسف الشديد قضت فترة طويلة من الزمن تمتاز بتدخل السلطة في عمل المحامين وفي عمل هيئات المجتمع المدني والأحزاب السياسية. لكننا نلاحظ اليوم بصيص أمل من خلال التوجهات الجديدة للسلطات الحاكمة توحي بأنها ستكف عن هذا النوع من التصرفات وجعله في سجلات الماضي. وهذا مهم ويستحق التنويه به ويحسب لهذه السلطة. وينبغي أن يعم. كما يجب علينا كمحامين أن نعمل جادين وأن لا نقبل من أي سلطة مهما كان نوعها، في الحكم أو معارضة، أو جهة قبلية، أو جهة جهوية، أو جهة إيديولوجية، أن تتدخل في انتخابات المحامين.. أو أن يكون لها مرشح.
فهذا لا يجوز لنخبة مثلنا. فعلينا أن نترفع عن كل هذه الاعتبارات وأن نجعل من هيئتنا ملاذا للجميع. فحينما تقع أي مشكلة نصبح جميعا، نقيب المحامين، مجلس المحامين، رشداء المحامين، جميع المحامين، نصبح نحن المصدر ونحن المرجع الذي يُقصد.
وعلى هؤلاء جميعا وخاصة هيئاتهم القيادية أن يترفعوا عن كل انتماء سياسي، عن كل انتماء جهوي، عن كل انتماء قبلي، لكي نتمكن من الرفع من شان الهيئة. لأن المحامين لهم مشارب متعددة. وإذ كان نقيبهم أو مجلسهم له مشرب معين فستفسد العملية. لذلك يجب أن نترفع عن هذه المعايير. وهذا ما سأعمل من اجله. وأنا على يقين تام بان جميع المحامين يرغبون تماما في أن يكون نقيبهم مترفعا عن كل انتماء سياسي، مترفعا عن كل انتماء قبلي، وعن كل انتماء جهوي.. حتى يستطيع قيادتهم والإشراف عليهم لأن مشاربهم كما أسلفت متنوعة. وهذا هو جوهر الموضوع.
أما فيما يعني الشراكة مع وزارة العدل.. فوزارة العدل هي الشريك الرئيسي للمحامين. و"شريك رئيسي" تعني أنه ينبغي حقا أن تكون شريكا. فعملية إصلاح القضاء تتعلق بالجميع: بالقضاة، بالمحامين، بكتابات الضبط، بالخبراء القضائيين. فهذه الجماعات كلها، وخاصة نحن المحامين، لا بد من أن نبني شراكة مع وزارة العدل بهدف دعمها من اجل تنفيذ أي مشاريع إصلاحية تتعلق بالقضاء. لأن موريتانيا في حاجة ماسة إلى إصلاح قضائها. وإصلاح القضاء بدون المحامين أمر مفروغ منه لأنه مستحيل. لكوننا نحن الركيزة الثانية في عملية التقاضي.
وقوة القضاء وإصلاحه هما جوهر تأسيس دولة القانون، وجوهر النمو الاقتصادي وجذب المستثمرين للبلاد. وستسمح هذه الشراكة للمحامين بالمساهمة في جميع المشاريع، في إعداد القوانين، في تحضير الحلقات والندوات التكوينية لصالح المحامين والقضاة. وينبغي أن نفهم أن القضية ليست مسألة نزاعات ولا نعرات، بل عملية متكاملة. وإن تحقق هذا التكامل ما بين نقابة المحامين ووزارة العدل، فإننا سوف نتمكن من إصلاح القضاء بفضل إشراك المحامين في العملية. وهذا هو تصوري وفهمي لاستقلالية المحامين وللشراكة التي يجب أن تُبنى بين المحامين ووزارة العدل.
موريتانيا المعلومة:
يتمثل المحور الثالث في "توحيد وتبادل التجارب والمعارف بغية تعزيز المردودية لدى المحامين بدرجة تمكن من مواكبة النهضة الاقتصادية المنتظرة":
أي نهضة تنتظرون؟ وما ذا تعنون بتوحيد المعارف علما أن الفروق الثقافية إثراء ينبغي تطويره؟
ذ. إبراهيم ولد أبتي:
هذا السؤال يطرح قضية أساسية: أين تكمن قوة المحامي؟ والجواب أنها تظهر من خلال الوثائق التي تصدر عنه، سواء كانت عقودا أو استشارات، أم عرائض، أو مذكرات. فنحن المحامون نتكامل فيما بيننا. وقوتنا تكمن في اختلافنا وتعدد مشاربنا، وفي أعدادنا.. لأن المهنة تتسع للجميع دون إقصاء.
فنحن مطالبون فيما بيننا بأن نتبادل التجارب ونتعاون و نوحد أساليبنا وأنماط الوثائق التي تصدر عنا. وهذا يستدعي منا تنظيم ندوات وملتقيات دورية تكون منابر نتبادل فيها المعارف والتجارب والعمل بشكل يسمح بأن نزيد من مردوديتنا ونكسب وقتا أكبر وبأن يكون بمقدورنا مواكبة النهضة الاقتصادية الموعودة التي يسير البلد في اتجاهها. وهذا يتطلب من المحامين مجهودا اكبر لن يتأتى لهم إلا إذا وحدوا أساليبهم وتشاوروا فيما بينهم.
وسوف اعمل شخصيا في هذا السبيل بغية انجاز هذا المشروع الذي يقوم على تبادل التجارب وتوحيد الأساليب. وهذا من خلال تنظيم الملتقيات والندوات والتشاور الدائم. لأن العلم ملك للجميع ينبغي أن يتقاسمه الناس ولا يجوز احتكاره ولا التكتم عليه.
موريتانيا المعلومة:
يتعلق المحور الخامس بتفعيل المساعدة القضائية في كافة الولايات وبالحصول على مقرات للهيئة في نواكشوط وفي داخل البلاد.
دعونا أولا نتحدث عن الشق الأول: ما ذا تعنون عمليا بالمساعدة القضائية، سواء في الولايات في الداخل وسواء في نواكشوط؟ وما هو الوضع الحالي في هذا المجال؟.
ذ. إبراهيم ولد أبتي:
المساعدة القضائية تتمحور أساسا حول توفير الوسائل للذين لا صوت لهم، الذين لا وسائل لهم للدفاع عن حقوقهم، لإبلاغ حججهم . وعلى الدولة أن توفر الوسائل لهؤلاء كما يجري به العمل في جميع أنحاء العالم: في المغرب، في الجزائر، في فرنسا، في السنغال وفي كل دول غرب إفريقيا... ففي جميع هذه البلدان توفر الدولة الوسائل وتنظمها بطريقة تمكن من لا دخل لهم، من لا صوت لهم، من أبلاغ حججهم. وهذا مشروع قديم في بلادنا. فالنصوص موجودة.
واليوم فإن وزارة العدل مستعدة لتفعيل القضية المتعلقة بالمساعدة القضائية من خلال توفير الشرط الأول: الميزانية.
وكذلك، وبالشراكة مع المحامين فسوف تقوم الوزارة بتنظيم توفير الوسائل وتوفير المحامين لأداء هذه الخدمة، وهذا على مستوى جميع الولايات التي توجد بها محاكم.
ووزارة العدل مستعدة لتوفير هذه المساعدة التي ستسمح من جهة، للدولة بأن تقوم بما عليها من خلال توفير الوسائل والإشراف على تنظيم العملية، ومن جهة أخرى تسمح للمحامين بتوفير المحاماة. وسيحصل المحامون المعنيون على مكافأة مقابل الدفاع عن موكليهم الذين لا دخل لهم. وهذه المكافأة تقتصر طبعا على المحامين الذين يشرفون على التمثيل والدفاع أمام المحاكم عن من لا دخل لهم. والدولة هي التي توفر المال. ويتم تنظيم هذا كله بالتشاور فيما بين هيئات أسستها مراسيم ومقررات وبشكل يضمن فعالية العملية كلها.
وهذا هو جوهر ما يسمى بالمساعدة القضائية. والنصوص المتعلقة بها موجودة منذ زمن طويل. ولكن يجب تفعيلها. وهذا ما سأعمل من أجله- إن شاء الله.
موريتانيا المعلومة:
حول الشق الثاني من المحور الخامس من برنامجكم، كيف تفسرون أن هيئة بهذه الأهمية تظل عشرات السنين بلا مقرات أو على الأقل بلا مقر رئيسي لها في نواكشوط؟ وكيف تنوون سد هذه الثغرة الكبيرة؟
ذ. إبراهيم ولد أبتي:
اليوم، الهيئة الوطنية للمحامين تؤجر مقرا في نواكشوط، لذلك يجب أن تعمل مع الوزارة ومع الحكومة ومع وسائلها الذاتية من اجل أن يكون لها مقر تملكه على مستوى نواكشوط، وكذلك مقرات على مستوى كل محاكم الاستئناف الموجودة في نواذيبو، وفي ألاك وفي كيفه. وهذا مجهود جبار. لكن، وعلى غرار ما نراه في جميع الدول وخاصة المجاورة لنا، في الجزائر، في المغرب، في السنغال... فلا بد أن نوفر للهيئة الوطنية للمحامين مقرات تملكها. حتى لا تبقى دائما مستأـجرة كما هو الحال اليوم.
وهذا عمل سوف أقوم به وابذل جميع الوسائل من أجل أن يكون للهيئة مقر رئيسي تملكه في نواكشوط.. وأن تعمل كذلك على أن تحصل على مقرات حيثما توجد محاكم استئناف في الداخل : في نواذيبو، في كيفه وفي ألاك، كما أسلفتُ.
وهذا مشروع ضخم نسبيا لا بد من أن تعمل الهيئة من اجل إنجازه بالشراكة مع وسائلها الذاتية، بطلب الدعم من الحكومة الموريتانية، ومن كل الهيئات التي من الممكن أن توفر وسائل، سواء كانت هيئات وطنية أو كانوا شركاء اقتصاديين لموريتانيا.
--------------------------------
*سجلت المقابلة مساء امس بالصوت. ونشرت اليوم مكتوبة.
تصنيف: