فور خروجه من مقابلته الاخيرة مع فخامة رئيس الجمهورية، السيد محمد ولد الشيخ الغزواني، صدرت عن بيرام الداه اعبيد تصريحات اعرب فيها عن سروره بالمقابلة وعن نيته المشاركة في هذا التوجه الذي يسير عليه البلد. وقال إن "عهد الصدامات ولَّى". وقد تكلم بوصفه حاملا لقبعتين: نائبا في البرلمان ورئيس حركة "مبادرة المقاومة من أجل الانعتاق" المعروفة تحت اسم: "إيرا".
التعبير عن السرور وارد : رسالة تشجيع موجهة للسيد بيرام...
ويبدو أن عبارة "عهد الصدامات ولَّى" أثارت ارتياح بعض الناس من بينهم فاعلين بارزين، حقوقيين وسياسيين، مثل: الأستاذ احمد سالم ولد بوحبيني. ومن المعقول والطبيعي أن يتقبل بسرورِِِ رئيس اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان خطابا متزنا يدعو صاحبه إلى الهدوء والابتعاد عن المنطق التصادمي. فالأستاذ ولد بوحبيني يرسل هنا إلى الحقوقي والمناضل السياسي بيرام رسالة تشجيع على الاعتدال والعمل السياسي الشرعي رغم أن الصعاب والأشواك لا تخفى عليه.
ومن ابرز تلك العقبات أن حمْل النائب بيرام لصفة رئيس "إيرا" ممنوع قانونيا.. وكذلك أي انتماء لهذه المنظمة المحظورة قانونيا. لأن العمل تحت راية هذه المنظمة لا يشكل خرقا صارخا للقانون، فحسب، بل فيه تحدِِ غير مقبول للشرعية وللدولة أيضا. فهي غير مرخصة وخطابها وأساليبها التصادمية - مثل وصف رئيسها لموريتانيا ب"نظام الأبارتايد"- مثيرة للحيرة واستفزازية. ولا يجوز حسب النصوص المعمول بها حمل اسمها كعنوان، فأحرى العمل أو التصرف تحت رايتها. ومن المفروض أن لا تسكت السلطات الأمنية ولا القضائية على الأمر.
ومن المعروف أن "إيرا" هي النافذة المثمرة للسيد بيرام على العالم الغربي. فبفضلها وعبر "صداماتها" مع السلطات، نال الجوائز والشهرة بدرجة جعلت منه زعيما حقوقيا وسياسيا في أعين أوساط غربية لا يستهان بها. وكان لذلك تداعيات واصداء فاقت كل التوقعات؛ واستثمرها هو بذكاء في الداخل خلال المناسبات الانتخابية.
لكن من جهة أخرى، العمل بشعار "عهد الصدامات ولَّى"، الذي يطرحه الآن السيد بيرام، من المستحيل التوفيق والتوليف بينه مع الانتماء إلى تنظيم خارج على القانون.
مما يطرح تساؤلات مهمة: هل بيرام بصدد حل منظمته أو مغادرتها، كما انسحب منها كثير من رفاقه السياسيين السابقين؟ وإلَّا، فما معنى قوله بأن "عهد الصدامات ولَّى" وهو في حالة خرقِِ صارخِِ للقانون؟
ونفس التساؤلات والملاحظات تنطبق على حزب "راگ"- التجمع من اجل العمل الشامل (RAG)[i]- الذي لم يجد له ترخيصا.
التجاوب مع انفتاح رئيس الجمهورية ورحابة صدره: قولا وفعلا...
صحيح أن كون بيرام- كغيره من الفاعلين السياسيين والناشطين الحقوقيين، يلقى آذانا صاغية وصدرا رحبا لدى أعلى سلطة في الدولة، فخامة الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني، يشكل رسالة واضحة يدعو رئيس الجمهورية من خلالها الفاعلين السياسيين وغيرهم من الناشطين، أياً كانت توجهاتهم، يدعوهم إلى الابتعاد عن الروح والأساليب التصادمية وإلى خلق وتطوير مناخ سياسي هادئ وسليم، بعيدا عن منطق التأزيم. وفي المقابل، فمن المنتظر طبعا أن يستجيب هؤلاء لهذه الدعوة، قولا وفعلا، إن كان حقا لديهم قوة اقتراحات بناءة ولا تقتصر رؤيتهم وتصرفاتهم على الانتقادات الوخيمة والهدامة فقط.
وفعلا، تشكل تصريحات النائب بيرام الأخيرة مؤشرات إيجابية ومشجعة في هذا الاتجاه. لكن، لتكون ذات مصداقية حقا، فينبغي أن يرافقها احترام للقانون وتقيد به. مما يقتضي من النائب الموقر الكف عن الكلام باسم منظمة محظورة قانونيا وعن العمل تحت رايتها: طالما لم تشرع "إيرا" فهي خارجة على القانون وكذلك ذراعها السياسي حزب "راگ".
وحتى إن كان بيرام قد حصل على وعود بالاعتراف لاحقا بمنظمتيه، الحقوقية والحزبية، كما قال، فذلك لا يشرعهما، بل عليه أن ينتظر صدور قرار رسمي عن السلطات المخولة والمعنية بالأمر. وحينها يجوز له الحديث باسمهما والعمل تحت رايتهما.
وبتبنيه لسلوك كهذا، يحترم القانون والنطم المعمول بها في وطنه، فإنه يبعد الشكوك ويطمئننا حول مصداقية قوله: سندرك أن "عهد الصدامات ولَّى" ليس كلاما دعائيا فقط، بل نهجا سيعمل به قائله على أرض الواقع. وفقنا الله وإياه لذلك، ولما فيه سلامة وطننا الحبيب واستقراره.
البخاري محمد مؤمل (اليعقوبي)
[i] Rassemblement pour l’action globale,
تصنيف: