مؤشر الأرهاب الدولي " GTI 2018" يكرر: "لا أثر للإرهاب في موريتانيا".. ولكن...

للسنة الثالثة على التوالي  يصنف التقرير السنوي لمعهد السلام والاقتصاد العالمي ال (GTI 2018) موريتانيا ضمن الدول التي "لا اثر للإرهاب" فيها.

هل هذا يعني أن بلادنا هزمت الإرهاب نهائيا وأصبحت خارج دائرة الخطر؟ أم أن في الأمر مسائل ومعطيات أخرى ينبغي أن تدفع بنا إلى الحذر من الغرور بالنفس بسبب المكاسب العظيمة التي حققها البلد في مجال محاربة الإرهاب، وما ينشر عنا في هذا الصدد؟

السؤال وارد تماما إن نحن أخذنا في الحسبان أن فرنسا والولايات المتحدة، ودولا غربية أخرى مثلهما- تحارب الإرهاب بقوة وتتابع عن كثب تطوراته في العالم-، تحط أجزاء كبيرة من التراب الوطني في شمال البلاد وشرقها ضمن "المناطق الحمراء" تبعا للرؤية الجيو إستراتيجية لتلك الدول بخصوص التهديد الإرهابي والتحديات الأمنية بشكل عام وانتشارها على الكرة الأرضية.

 فلما ذا هذا التناقض الشديد والصارخ بين التصنيف الدولي المذكور سابقا وتصنيف تلك الدول؟

الأمر ببساطة يعود إلى الفروق بين المعايير المعتمدة من طرف ال GTI وتلك التي يعتبرها الآخرون.. وإلى دوافع كل من الطرفين.

 ال " GTI" أداة فنية ترصد وقائع محلية دقيقة ومرقمة...

  مؤشر الإرهاب الدولي (جي تي إي" ،Global Terrorism Index (GTI عبارة عن أداة قياس فنية ونسبية تقيِّم التهديد الإرهابي في جميع أنحاء العالم، وذلك عبر تصنيف سنوي للدول على أساس النشاط الإرهابي الذي تم رصده على أراضيها.

و يصدر هذا المؤشر عن معهد الاقتصاد والسلام  (Institue for Economics and Peace (IEP الذي يشكل مؤسسة مستقلة لا تعرف لها دوافع سياسية؛ ومقره في سيدني باستراليا. و له مصداقية معترف بها دوليا.. ويستخدم معايير وبيانات قابلة للقياس الكمي يتم رصدها وجردها كل سنة لتقييم وترتيب الدول حسب المعايير الإحصائية والنوعية التالية:

  • عدد الحوادث الإرهابية
  • عدد الضحايا البشرية الناجمة عن تلك الأحداث
  • عدد الجرحى الناجمة إصابتهم عن الهجمات والحوادث الإرهابية
  • تقييم الأضرار المادية الناجمة عن الحوادث الإرهابية

وقد تضمَّن الترتيب  للسنة المنصرمة 164 دولة - كما هو الحال تقريبا في الترتيبين الماضيين. ويتم ترتيب الدول بشكل تصاعدي حسب درجة خطورة العمليات والأحداث الإرهابية التي تعرضت لها فعلا خلال المدة المعتبرة، وبعبارة أخرى: كلما كانت خطورة الأحداث الإرهابية وعواقبها المباشرة شديدة، كلما احتل البلد مكانة متقدمة في الترتيب. فعلى سبيل المثال، تحتل على التوالي  العراق، وأفغانستان، ونيجيريا، وسوريا، وباكستان، والصومال المراكز الستتة الأولى:   العراق:   رقم1؛ أفغانستان: رقم 2 ؛ نيجيريا: رقم 3 ؛ سوريا: رقم 4... إلخ.

 بينما تقع موريتانيا في المرتبة 138 مع 26 دولة أخرى لم تشهد أحداثا ولا أضرار ا إرهابية، حسب المعايير التي سبق شرحها. لذلك تم تصنيف بلادنا في "المنطقة الخضراء" من الخريطة، وهي تعني : "لا أثر للإرهاب " في هده المنطقة .

و هذه هي السنة الثالثة على التوالي التي نصنَّف في "المنطقة الخضراء". وفي كل مرة يتعزز ويتحسن موقعنا فيها.. كان ترتيبنا: 125 عام 2016 ؛ ثم: 130 عام 2017 ؛ والآن ها نحن في المرتبة 138.  

تقييم ال "جي تي إي" سليم، لكن التهديد قائم ومتشعب...

  عندما نقوم بإسقاط المقاييس المعتمدة من طرف مؤشر الإرهاب السالف الذكر على موريتانيا، فإننا نلاحظ فعلا أنه لم يسجل وقوع  أي عمليات إرهابية على التراب الوطني منذ سنوات عديدة، مما يدل على أن تقييم ال"جي تي إي  2018 " مصيب. وهذا يشكل مصدر فخر واعتزاز كبيرين بالنسبة لنا؛ لكن  لا ينبغي أن يعمينا عن معطيات أخرى سياسية وجيو ستراتيجية، خارجية وداخلية، تنذر بأن  الخطر ما زال يخيم على وطننا وأنه متنوع ولا يجوز لنا التخاذل في شأن التصدي له.

فعنصر انعدام العمليات الإرهابية المباشرة على التراب الوطني لا يكفي وحده لتقييم الوضع وتطوراته بشكل موضوعي وشامل، بل  ينبغي مراعاة عوامل الخطر السياسية والتأثيرات غير المباشرة. ومن أهمها تطور الإرهاب وانتشاره في البلدان المجاورة، ومسامية وطول حدودنا المشتركة مع بعضها ، وكذلك التطرف العنيف وانتشار خطابه في أوساط وفضاءات واسعة يكاد يكون من المستحيل التحكم فيها، مثل الانترنيت،  هذا مع قابلية جزء هام من مواطنينا لتقبل ذلك الخطاب وبثه...

و لنا أدلة تنذر بالخطر فيما ينشر على عبر شبكات التواصل الاجتماعي؛ وفي بعض ردود الفعل المتطرفة والعنيفة التي شهدها البلد في مناسبات متفرقة: بعد الانتخابات الرئاسية الأخيرة، وبعد صدور حكم العدالة النهائي في ما يعرف قانونيا ب"قضية ولد امخيطير"... إلخ.

(راجع: - " خطير جدا: قانوني موريتاني يدعو إلى الإرهاب معرضا نفسه للسجن مدة 15 سنة ولغرامة 10 مليون أوقية."

         - " الحكم على ولد أمخيطير : هل يُخرج محفوظ ولد الوالد عن صمته ليمارس التطرف العنيف ؟")

اليقظة، اليقظة...  والإعلام، الإعلام...  

وردا على هذه الأحداث التي تمت السيطرة عليها لحد الآن ولله الحد، وعلى غيرها، وتفاديا لنوعها أو غيره من الخطابات والتصرفات العنيفة والمتطرفة، فإننا ندعو إلى: اليقظة، ثم اليقظة، ثم اليقظة...

ونؤكد ونكرر بأنه لولا يقظة الدولة والقائمين عليها، لما تبوأ بلدنا مكانته الأمنية الراهنة التي يحسد عليها؛ ويشيد بها الخبراء والمراقبون الدوليون مثل ال"جي تي إي" وغيره.. لكن محاربة الإرهاب مشروع كبير، مركب ومعقد، ولا يكتمل أبدا. من أهم مقوماته بناء روح المواطنة والتنمية البشرية بمكواناتها المتعددة، هذا فضلا عن السهر على حسن سير الورشات المختلفة الأخرى المؤلفة للمشروع: سواء تعلق الأمر بالنواحي العسكرية والأمنية، أم بالجوانب السياسية والدبلوماسية، أم بمتطلبات التنمية الاجتماعية والاقتصادية...

ونضيف أخيرا إلى أن مقتضيات العولمة وتقنيات الاتصال جعلت من السيطرة على المعلومة رهانا رئيسيا له دور حاسم في تشييد وإدارة مشروع محاربة الإرهاب، داخليا وخارجيا. وهنا ينبغي لبلادنا أن تضاعف الجهود الإعلامية والدبلوماسية من أجل إعطاء صورة سليمة عن حالة الأمن داخل الوطن حتى نفند ما يتصوره عنا آخرون يهولون المخاطر في بلادنا ويبالغون في بثها.

وقد يكون ذلك عن جهل منهم أو عن قصد تبعا لأهداف أو حسابات سياسية غير معلنة. وأيا كانت دوافعهم، فإن لهم قوة إضرار لا يستهان بها. ولا شك أن وضع أجزاء كبيرة من بلادنا داخل "المنطقة الحمراء" من طرف الخارجية الفرنسية  له علاقة بهذا الجانب؛ ولا ينبغي السكوت عليه.        

البخاري محمد مؤمل (اليعقوبي)

تصنيف: 

دخول المستخدم