ليتذكر احمد ولد الوديعة : "لا تُؤْذُوا الأَحْيَاءَ بِسَبِّ الأَمْوَاتِ"

منذ أكثر من شهر وأنا خارج الزمان والمكان الإعلاميين ومجريات الأحداث الوطنية والدولية بسبب تمريض والدتي رحمة الله عليها وبسبب وكعة صحية تعرضت لها بعد وفاتها مباشرة.

ورغم ذلك فإنني حشدت عزمي وقواي حتي استطعت تعزية ذوي المصابين.  لكنني  لم  أتمكن من المشاركة كما ينبغي في مواكبة الموريتانيين أحزانهم بشكل يليق بالفاجعة الوطنية الأليمة المتمثلة في الوفاة الفجائية لأولئك الشبان الطيببين وهم يقدمون بسخاء وحماس المساعدة والدعم للمحتاجين في المناطق النائية من البلد.

 أما الآن وقد تحسنت صحتي لله الحمد وبدأت استعيد نشاطي تدريجيا، فإنني فوجئت في  أول يوم أتعاطى فيه مع وسائل الإعلام  لما قرأت كلاما مستهجنا صادرا من إعلامي مشهور وسياسي محنك يسب فيه أحد هؤلاء الشهداء .

يتعلق الأمر بما تناولته وسائل الإعلام نقلا عن السيد احمد ولد الوديعة الذي هاجم رئيس الجمهورية متخذا ابنه المرحوم أحمدو ولد عبد العزيز مطية لإيذاء الأب. وكلنا نعلم أن هذا هو ما نهى عنه بالضبط رسول الله صلى الله عليه وسلم  في قوله : " لا تُؤْذُوا الأَحْيَاءَ بِسَبِّ الأَمْوَاتِ " (حديث مرفوع).

 يتعلق الأمر بأقصى مراتب السب، أي باتهامات السرقة وبتبييض المال العام التي وجهها ولد الوديعة  للمرحوم  أحمدو ولد عبد العزيز ولهيئة الرحمة الخيرية التي يرأسها. فاشمأزت نفسي  فور قراءةتي لذلك الكلام غير المقبول إطلاقا، الأمر الذي دفع بي إلى بيان  الملاحظات التالية :

أولا :  اتفق الموريتانيون بكل مشاربهم واتجاهاتهم على ما حبا الله به المرحوم أحمدو ولد عبد العزيز من تواضع وحسن خلق والتزام بشعائر الإسلام من  محافظة على الصلاة في المساجد لحد وصفه ب"حمامة مسجدوببرور بالوالدين وتوقير لكبار السن وبرحمة بالفقراء واعتناء بالمرضى...وهي مزايا جعلها الله له في ميزان حسناته. هذه الصفات الحميدة كان على ولد الوديعة أن يذكرها عملا بالحديث الشريف : "اذكروا محاسن موتاكم" إن هو حسب انه معني بوفاة المرحوم احمدو ولد عبد العزيز ورفيقيه. وإلا لكان خيرا له وللمسلمين جميعا أن لا يدلي بدوله ـ كما فعل ـ على هذه الطريقة المسيئة للأموات. إ

ثانيا : من المعروف  في العادات العربية والإسلامية  المعبرة عن حسن النية وسلامة الذوق وصفاء الطوية  وتأصل الشهامة.. أن  يتضامن الناس مع المصاب فينسوا خلافاتهم السياسية والاجتماعية معه ويغسلوا قلوبهم من الغل والحقد والحسد  تجاهه. وفي المقابل فمن المستهجن والمرفوض دينا ومروءة ذ كر الميت بما يسئي . فالميت إما ان يذكر بخير وتنشر محاسنه ليترحم عليه وإما أن يسكت عنه. ولذلك يلهج الناس بمقولة شرعية مشهورة دالة هي : " الميت إن صار في قبره وجب الإمساك عنه "

ثالثا . فيما يتعلق بالاتهامات نفسها  فمن الواضح أنها  غير مؤسسة، إذ  لم تستطع تقديم أي برهان مادي، وثيقة كان أم معلومة.  وإنما أعادت  اجترار عبارات مألوفة  ضمن الوسائط اللغوية الضعيفة المشعرة تارة بالكذب، وتارة بالمناورة الإعلامية أو بهما معا. وهي بضع كلمات أصبح الكل يحفظها عن ظهر قلب لكثرة ما تتردد عبر صفحات التواصل الاجتماعي وعلى صفحات الوسائط الإعلامية التي لا تتوخى الموضوعية ولا تأبه بروح المهنية.  مثل :   "تقول بعض المصادر..."، "تؤكد بعض الجهات..."،  "حسب معلومات مؤكدة..."،   "حسب مصدر مأذون"... إلى غير ذلك من أدوات الكذب الإعلامي التي تستخدم لترويج الشائعات السياسية  البعيدة من الصدق والمهنية.

 رابعا.   مثل هذا النوع من المعلومات الذي حاول مُصدِّره إيهام الرأي العام بخطورته وأهميته لا يمكن الحصول عليه بهذه البساطة فكيف لموقع موريتاني أو للصفحة الشخصية  لولد الوديعة أن تحصل على  تفاصيل ودائع  أية هيأة ـ حكومية  كانت أم غير حكومية ـ  أو  حتى  ودائع شخص في مصرف بريطاني أو مصرف سويسري ..  فتحدد المبالغ والمصروفات ؟ يا له من ضحك على العقول وتجييش لمشاعر الدهماء ‼

خامسا.  يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم :" كل المسلم على المسلم حرام : دمه وماله وعرضه".  والرئيس وابنه وكل أفراد عائلته مثل كافة المسلمين : يحرم انتهاك أعراضهم ومن غير الجائز أكل غيبة ابن الرئيس بمجرد معارضة النهج السياسي الذي يسير عليه والده.  

سادسا. التضامن مع كل أسرة في ميتها مطلوب شرعا وعرفا غير ان المصاب إن تعلق بموت بن الرئيس كان مصابا للأمة كلها بمعارضها ومؤيدها لأن الرئيس رمز وطني يمثل كافة أفراد الشعب. وهذا فعلا ما عبر عنه كافة المواطنين والفاعلين السياسيين بمن فيهم الحزب الذي ينتمي له صاحب التهم التي هي موضوع حديثنا.

سابعا. من البديهي والمعروف، وحيا، وعقلا، وفطرة، أن الحرام يشمل الكذب بكل أنواعه، والغيبة، والإرجاف  الذي يتمثل في الشائعات المغرضة ـ أي الشائعات التي  تهدف إلى تحقيق أغراض معينة. وقد اتسع الخرق على الراقع لأن ما يمارسه جلنا في مضمار "السلطة الرابعة" بهذه "البلاد السائبة" هو الكذب والغيبة والإرجاف... لقد فشلنا في صناعة صحافة موريتانية مهنية ذات مصداقية. ولذلك أسبابه التي يضيق عنها المقام. لكن كل شخص ايضا مسؤول عن فشله وقلمه وتفكيره ولسانه وكل جوارحه ستستجوب يوم القيامة "يوم تاتي كل نفس تجادل عن نفسها". ,الموضوع الذي بين أيدينا ليس إلا احد المظاهر الدالة على ضعف الضمير والخبرة الإعلاميين لدى من يزاولون هذه المهنة في بلادنا.

وخلاصة القول، فإنني شخصيا أعتذر لرئيس الجمهورية زلذويه عن كل هفوة بدرت من أي فرد من أفراد الأسرة الإعلامية. واطلب ممن منا نحن الصحفيين وقع في أغلاط أساءت للناس أن يعتذر لمن أساء عليه ويتوب.

 وأجدد لفخامة الرئيس السيد محمد ولد عبد العزيز ولكافة أفراد أسرته ولأسر الفقيدين الأخيرين عمر انجاي واحمد ولد الطالب العزاء..

  وأسأل الله العلي القدير أن يشملهم جميعا برحمته فينور قبورهم و يدخلهم الجنة  مع النبيئين والصديقين والشهداء إنه القادر على ذلك.

كما أسأله أن يحفظ بلادنا ويوفقنا ويؤلف بين قلوبنا، أنه مستجيب الدعاء.

         محمد الأمجد ولد محمد الأمين السالم / كاتب وصحفي موريتاني

تصنيف: 

دخول المستخدم