كورونا: هل نطمئن أم نطلق صفارات الإنذار؟

الخطر لم يعد قادما فحسب ولا مفر منه.. بل إنه دخل بيوتنا وهو قابل للانتشار بسرعة.. وقد اتخذت الدولة حزما من الإجراءات الوقائية الهامة تركزت على الكشف المبكر ومحاولة منع تسرب الوباء داخل الوطن. وتعددت وتنوعت مجالات نشاطها:  شملت عمليات تقوم على السيطرة على حركة المسافرين عبر الحدود؛ وعلى الحد والتقليل من فرص التجمعات والتجمهر.. وأخرى تتعلق بالحصول على الوسائل والمعدات الطبية وعلى تعبئة وتهيئة الطواقم الطبية.. في حين ركزت المصالح والهيئات المعنية على ضمان تزويد السوق وتموينه...

وكقاسم مشترك لكل ما يقام به، نلاحظ أن جزءا كبيرا من الجهد العام المبذول تم استثماره في سبيل تحسيس المواطنين حول الخطر  وتسليحهم بالآليات السلوكية السليمة وفق الإرشادات الصادرة عن منظمة الصحة العالمية بغية الوقاية من المرض. غير أن العمل في هذا الجانب يبدو متذبذبا بين سؤالين: هل نطمئن الناس أم هل نطلق صفارات إنذار مخيفة؟ وكيف وهل يمكننا التوفيق بين طرفي هذه الإشكالية المتنافرين؟  

في كلمته الأخيرة التي وجهها للرأي العام الوطني حول الموضوع، عمل رئيس الجمهورية على التوفيق بين الأمرين.

أسلوبه الطبيعي.. ولغته الشفوية وأريحيته التامة في الحديث.. ونبرته الهادئة.. و كونه لم يعلن بشكل واضح ودقيق عن إجراءات جديدة ذات صبغة خطيرة أو مقيِّدة، تاركا الفرصة لوزرائه كما عودنا على أن يترك لكل أحد من أعوانه مجال عمله ومسؤوليته... كل هذه المعطيات مجتمعة تشكل عناصر خطابية تدعو إلى الطمأنينة.

وقال فعلا أنه يريد طمأنة المواطنين والمقيمين في البلد على أن الوضع تحت السيطرة.. وهذه هي الصورة التي انطبعت في أذهان أكثرية المشاهدين بما فيهم الإعلام الذي تصدرت عبارة "الرئيس يُطَمْئن" جل عناوينه التي  تناول تحتها الخطاب.

غير أن الرئيس غزواني أصر حقيقة عبر أسلوبه الهادئ المعتدل، الرزين والمهذب، على إبراز الخطر كما هو.. دون تقليل من شأنه أو مبالغة فيه. فقال بعدما قام بجرد لحزم الإجراءات التي اتخذتها الدولة:

"في نفس الوقت الذي أريد أن أطمئن فيه مواطنينا والمقيمين في البلد، فإنني سوف أقول الحقيقة. والحقيقة هي: حتى الآن الوضعية تحت السيطرة والحكومة تقوم بدورها. لكن هذا لن نجني ثماره إلا إذا ضحى المواطنون بالكثير من خلال التزامهم بالتعليمات والتوصيات الصادرة عن الجهات المعنية، من خلال تضحياتهم بأغلى ما يمكن من اجل الوقاية.(...)

فهذا الوباء مس بلدانا أكثر منا وسائل في مجال الصحة وأكثر منا خبرة في تسيير الأزمات. وقل منها لحد الآن من تجاوز المراحل الصعبة. العمل المطلوب هو الوقاية والعمل على تجنب العدوى" . 

وقد أشار في بداية كلامه إلى أن الوضع قابل للتطور -أي: للتدهور- وأن الإجراءات سوف تأتي تباعا. وهذا هو بيت القصيد في خطابه.

 وهنا يكمن السؤال: هل المواطن العادي أدرك حق إدراكه هذا الجانب الخطير من كلمة الرئيس: هل أصبح يعي حقا خطر وباء كورونا على بلدنا وما يتطلبه رفع هذا التحدي من جهود جبارة؟.. أم أن اسنتهاض همم السكان وحذرَهم يستدعي مضاعفة وتكثيف الجهود التعبوية والإجراءات التي تم القيام بها لحد الآن؟

فرغم أنني فرضت على نفسي وأسرتي منذ أسبوع أن نمكث ما استطعنا لذلك سبيلا في البيت بمعزل عن الناس، فإن زوارنا ظلوا على العموم متمسكين بسلوكهم المعتاد: أكثريتهم ما زالوا يأتون ويتصرفون معنا وفيما بينهم كما كانوا يفعلون في السابق، غير مبالين بالمخاوف المتعلقة بانتشار الوباء كما اصدرتها الهيئات الطبية المختصة.

غير أنني علمت وتأكدت منهم  ومن المرات القليلة- التي خرجت فيها إلى الشارع وتنقلت خلالها على متن السيارة- من أن السلوك الاحترازي، الجمعي والفردي، للسكان لم يتغير إلا قليلا : الأطفال والشباب يتواجدون بكثرة في الساحات الفاضية، يلعبون فيها كرة القدم، يجتمعون ويمرحون.. يتصافحون، يتعانقون ويتصارعون بالأيدي.. ونفس المشهد نلقاه في الأسواق والمحلات التجارية لكونها مكتظة بالناس.. حركة المرور في الشوارع لم تتغير : زحمة المارة  والسيارات كما كانت من قبل.. كثيرة هي المساجد التي قيمت فيها صلاة الجمعة وكذلك الصلوات الأخرى. كما أن مدرسي محاظر كثيرة يزاولون عملهم كالعادة... رغم أنه توجد استثناءات منها الشيخ محمد ولد سيد يحيا الذي علق محاضراته "حتى الأحد المقبل وربما إلى أجل غير مسمى حسب تطور الأوضاع" على حد قوله.          

وفي هذه الظروف المثيرة للحيرة، راودتني شكوك كثيرة حول مدى إدراك الناس للخطر، متسائلا:

ألا ينبغي أن نرفع من مستوى الخطاب الإعلامي بشكل يرسل  إشارات إنذار واضحة ودقيقة؟ في حين كيف تكون الرسالة بناءة : تثقف ولا تفزع، فقط؟.

بعبارة أخرى: ما هي الإجراءات الإضافية الفعالة التي ينبغي اتخاذها وما السبيل لإلزام الناس بها؟ علما أن فرض حجر صحي عام على جميع الناس، كما فعلت دول عديدة، يكاد يكون مستحيلا بالنسبة لنا بسبب ما يقتضيه من ملزمات لوجوستية وتنظيمية من الصعب جدا توفيرها في موريتانيا.

البخاري محمد مؤمل ( اليعقوبي)

تصنيف: 

دخول المستخدم